في الحديث عن استعادة دور الطبقة الوسطى، لا يمكن تجاوز مسألة الدور المفترض أن تقوم به الطبقة الوسطى نفسها، والدور المضاد الذي تقوم به فئات من الطبقة.
الأطباء على سبيل المثال، الذين يمثلون طليعة المجتمع والطبقة الوسطى، والمعول عليهم تطوير الخدمات الصحية والاجتماعية، والذين يدركون بوضوح ويعاينون حجم معاناة المواطنين ومشكلاتهم، كيف سيقودون إصلاحا مجتمعيا ومؤسسيا، ومصالح فئة واسعة من قادتهم مرتبطة بالمستشفيات الخاصة وشركات الأدوية، وبالتهرب الضريبي!
المشكلة ليست في تلاقي المصالح بعامة، ولكن عندما يكون التقاء فاسدا، فترشيد استخدام الدواء ومراقبته وفرص الاستغناء عنه واستبداله عملية يقودها (يفترض) الأطباء، كيف سيفعلون ذلك وهم ينشئون مصالح وعلاقات منفعية واسعة مع شركات الدواء. وتطوير وتحسين القطاع الصحي العام ربما سيضر كثيرا بالقطاع الطبي الخاص، وسيكون إفشال القطاع العام هدفا حقيقيا ومباشرا للقطاع الخاص، وبالطبع فإنها أزمات ليست حتمية، ويمكن تجنبها، ولكن المشكلة اليوم في واقع من المصالح تَشكل على تدمير القطاع العام، وعلى تسويق وفرض منتجات يمكن الاستغناء عنها، وفي الوقت نفسه فإن الإصلاح يعني الإضرار المباشر بشبكة من الشركات والأطباء والمسؤولين.
وإذا انتقلنا إلى العطاءات والمقاولات التي يديرها القطاع العام بالتعاون مع الشركات، سيكون مفتاح الإصلاح والفساد بالدور الممكن أن يؤديه المهندسون، وهنا تنشأ مصالح لفئات من المهندسين مع الفساد، ويتشكل واقع من المصالح والمنافع على أساس من العطاءات الفاسدة، وهنا تتعذر المنافسة العادلة، ويغلق السوق على مجموعة من المصالح والعلاقات.
وفي التعليم فإن التعارض بين المصالح، أو قيام مصالح لفئة من الأعمال والطبقات على إفشال وإضعاف التعليم الحكومي ينشئ دائرة من التأثير والقرارات والمصالح الراسخة التي يضر بها بطبيعة الحال إصلاح التعليم.
فالإصلاح في حقيقته هو صراع بين الفئات والطبقات والمصالح، وفهمه على غير هذا الأساس سيضيع الوقت والجهود والموارد، لأنه لا يمكن النظر إلى السياسات والتشريعات والعلاقات، إلا مصحوبة بالمصالح الناشئة عنها، وتحديد من المستفيد ومن المتضرر منها.
الحل النظري هو درء التناقض بين المصالح والسياسات والتشريعات الإصلاحية، بمعنى أن يشكل الإصلاح عقدا اجتماعيا يقوم حوله التنافس وتنشأ المصالح، وبغيابه فإن مصالح كثيرة تتعرض للانهيار، فيتحول الإصلاح إلى مصلحة للفئة الغالبة من الطبقات والأعمال. لكن أما وقد أنشأت العلاقات الفاسدة مصالح وطبقات راسخة منذ أجيال عدة، فلا مفر من الصراع والتضحيات، وأن يكون ثمن الإصلاح غاليا ومكلفا، حتى لو تبنته بصدق وقوة حكومات وقيادات سياسية مهمة.