مثقال عيسى مقطش
عمان - ارتياح وتأكيد لطمأنينة، مصدرهما الإجراءات الحكومية التي عززت قوانين محاربة ومنع الغش في الأسواق الأردنية، حفاظا على صحة الناس وأموالهم. وثمة عبارات أكدها المسؤولون، من ضمنها "عدم التهاون مع مجرمي الغش". والسؤال المطروح هو: هل تقودنا هذه الإجراءات إلى محورية مهمة في حياة الشعب الأردني، وهي مثلث العلاقة التداخلية التكاملية بين حماية المستهلك وقانوني المنافسة ومنع الإغراق؟
واقع الحال أنه تراكمت الثغرات، وعاش الوطن فوضى اقتصادية لم يسبق لها مثيل، وانفردت قطاعات خاصة بقراراتها الهادفة إلى تحقيق مصالحها، بغض النظر عن نتائجها على القطاعات الاجتماعية، وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة، ضمن فوضى اقتصادية خلخلت المعالم الرئيسة في الاقتصاد الوطني!
وها هو القطاع التجاري أغرق السوق المحلية ببضائع لا تمت مواصفاتها إلى الجودة بصلة، مع غياب الرقابة على الأسعار، وتغييب قانون منع الاحتكار، وإجراءات الحد من الإغراق. وكنتيجة حتمية، تراجعت الصادرات وزادت المستوردات!
إن عملية فتح باب الاستيراد على مصراعيه بدون ضوابط، أعطت كثيراً من المستوردين مجالا لعدم الاكتراث بالمواصفات المحددة ومتطلبات الجودة الشاملة، التي تعكس حق المواطنة في أن يأكل الإنسان ويلبس ويستهلك مواد، سواء كانت مستوردة أم من الإنتاج المحلي، بمواصفات محددة مسبقا. ولقد وصلت الأمور إلى مرحلة أن المستوردات بمواصفاتها أصبحت خاضعة لموازنات ومخصصات مالية محددة مسبقا، وأن المواصفات يتم تفصيلها من قبل الجهات الصانعة حسب التكلفة المرغوب البيع بموجبها، وهذا يخالف أبسط المبادئ القانونية في قانون منع الإغراق.
وعبر متابعة عشوائية لما يحدث في أسواقنا المحلية، يستطيع المرء أن ينتهي إلى خلاصة مفادها أن التجار هم المسيطرون على الأسواق، وأن رقابة حكومية لم تؤت ثمارها في ردع تجار باحثين عن ربح مادي تجاوز المعقول، في كل منظومات التسويق والمبيعات وخدمة المستهلك.
وعمليا، لماذا ترك الأمور لقوى السوق في مجتمع يشكل غالبية مواطنيه والمقيمين على أراضيه طبقة فقيرة، لم يصل متوسط دخلها إلى مستوى ينقذها من براثن العوز؟
وواقع الحال أن الحكومة لم تأل جهدا في التحرك باتجاه مراقبة الأسواق، ولكن يبقى السؤال قائما: في ظل غياب منظومة وآلية عمل متكاملة لحماية المستهلك ومنع الإغراق، أين مقومات ضبط موجات ومتواليات ارتفاعات الأسعار، ووجوبية عدم ربطها بالمواسم؟ فهل القضية مرتبطة بهيكلية السوق، والاكتفاء بالقول إننا نعيش اقتصادا حرا قائما على المنافسة المفتوحة؟ وهل أن قوى السوق، بلغة الاقتصاد التحليلي، تحوّل المنافسة إلى احتكار مع سبق الإصرار، لتحقيق أرباح لا يمكن ان يقرّها عقل تسويقي، في مواسم اقتصادية ومناخية واجتماعية يدفع ثمنها المستهلك الضعيف؟!
إننا أمام معضلة لم تجد الحلول الجذرية طريقا إليها. والسبب الرئيس أننا نتمثل العيش فيما يسمى باقتصاد السوق والمنافسة المفتوحة. ولكن للأسف، أسواقنا لم تصل إلى مرحلة تهيأت فيها للسير عبر القنوات السليمة لهذا النمط الاقتصادي. ويبدو أن تدخل الجهات المختصة في ضبط السوق، أصبح ضرورة ملحّة في سبيل حماية المستهلك.
إننا ننتظر إقرار قانون حماية المستهلك، وتفعيل آلية تطبيق مؤثرة لكل من قانوني منع الإغراق ومنع الاحتكار. وإن الوقت قد حان لقيام الجهات المسؤولة بوضع منظومة عمل قانونية وتطبيقية متكاملة لحماية المستهلك الذي لم تعد إمكاناته المادية كافية لسد الحد الأدنى من متطلبات حياته اليومية. وإن من حق المواطن أن يتمتع بالجوانب الإيجابية لقانون حماية المستهلك بعد إقراره، ومن خلال آلية تطبيق فاعلة وصارمة. وعندئذ، سيكون دور القطاع الخاص تعزيز الخطوات التطبيقية لتحديث القانون، بما يواكب التطورات الاجتماعية والاقتصادية، ويحقق فائدة لكل الأطراف الداخلة في العملية التجارية. وبخلاف ذلك، فإن الأمور ستبقى عائمة.
والسؤال المطروح هو: هل تواصل الحكومة إجراءاتها، ووضع آلية متكاملة لتعزيز قانون منع الإغراق؟ وما المانع أن يكون هناك دور لمكاتب التمثيل الاقتصادي والتجاري في سفاراتنا، خاصة في الدول التي تشكل مصدرا رئيسا لمستورداتنا من السلع الاستهلاكية، ويكون هناك دور لمراجعة المواصفات قبل البدء بالإجراءات الفعلية للاستيراد؟ وما المانع أن يكون هناك تطبيق كامل لمتطلبات الجودة قبل إعطاء الموافقة على الاستيراد؟ وما المانع أن تخضع، أيضا، البضائع المنتجة محليا لهذه الإجراءات، وأن تطبق عليها إجراءات التغليف والحفظ طبقا للمستويات المعتمدة في هذا الشأن؟
أن المؤمل هو أن لا تكون الإجراءات لمجرد ضبط ومخالفة وغرامات في شهر رمضان؛ فالمطلوب أن تكون الإجراءات خطوة عملية هادفة إلى تعزيز متطلبات وأحكام قانون منع الإغراق بكل تفاصيله ومقوماته، وأن تتواصل هذه الإجراءات بحيث نصل إلى منظومة متكاملة للجودة والمواصفات، وإلى درجة يستطيع الإنسان معها أن يطمئن لما تعرضه الأسواق، بدون أي تخوّف من حالات الغش التي تنوعت وتعددت أساليبها، والضحية هو المواطن الذي يبحث بأي طريقة عن سلع أقل تكلفة في غياب الجودة والمواصفة!
mithqal.muqattash@alghad.jo