آباء يعيشون الصدمة "أطفالنا يدخنون السجائر".. ماذا نفعل؟

مجد جابر

عمان- انتابت الثلاثينية سما، مشاعر من الخوف والقلق والارتباك عندما تأكدت أن طفلها سيف (13 عاما) يدخن. ورغم محاولاتها الدائمة لإنكار هذا الشيء وإقناع نفسها أن رائحة السجائر التي تملأ ملابسه بسبب وجوده مع رفاقه المدخنين، إلا أنها على يقين بصدق إحساسها.اضافة اعلان
تقول إن ابنها سيف يأتي لمنزله كل يوم ورائحة ملابسه مليئة بالدخان، كذلك غرفته رغم حرصه على أن يفتح النوافذ بشكل مستمر، لذا تأكدت أنه يدخن ومنذ وقت، لكنها تؤجل بشكل يومي مواجهته بالأمر!
وتتساءل سما عن الطريقة الصحيحة التي عليها أن تتصرف بها.. هل تخبر زوجها بأن ابنه الذي ما يزال طفلاً "يدخن" وتتسبب بمشكلة كبيرة في المنزل قد تزيد من تعلق ابنها بالسجائر أكثر من قبل، أو أنها تحتفظ لنفسها بهذه الحقيقة الصعبة لتضمن على الأقل شعوره بالخوف من أن لا يعرف والده!
سما هي واحدة من أمهات وآباء يعيشون الصدمة بعد معرفتهم بتدخين أطفالهم وهم بعمر صغير. ومنى إسماعيل واجهت الموقف ذاته، فأثناء مرورها من عند غرفة أبنائها استنشقت رائحة الدخان، وهو الأمر الذي كان غريباً جداً بالنسبة لها فلا أحد بالعائلة يدخن. وعندما قامت بتفقد الغرفة كانت المفاجأة باكتشافها أن رائحة الدخان منبعثة من غرفة ابنتها الصغيرة والتي ما تزال في المرحلة الإعدادية.
صدمة كبيرة عاشتها منى في تلك اللحظة، ووقفت حائرة ما بين صب كل غضبها على ابنتها، أو ضبط نفسها والتفكير بهدوء لمعرفة كيف حصل ذلك ومتى.
وبعد مرور فترة من الوقت جلست وتحدثت مع ابنتها التي أنكرت تماماً، ولكن بعد إصرارها اعترفت أن إحدى زميلاتها في الصف أعطتها واحدة وأقنعتها بأن تجربها في البيت، وأنها لن تضرها بشيء بل على العكس ستخفف من التوتر، على حد تعبيرها.
صدمت الأم من هذا الكلام وكيف يكون تفكير الأطفال بهذا الشكل، ما جعلها تجلس مع ابنتها لتوعيتها وتقديم النصيحة لها، ومراقبتها بشكل مستمر بدون أن تشعر.
غير أن الوضع كان مختلفاً بعض الشيء لدى سعاد ابراهيم التي ما تزال تعيش حالة من الخوف، منذ أن اكتشف زوجها أن طفلهما ذا الـ14 عاماً يدخن ليفقد أعصابه وينهال عليه بالضرب غير مصدق ما رآه.
ومنذ ذلك اليوم وابنها وزوجها متخاصمان، وتحاول منع أي اصطدامات قد تحدث بينهما، مبينة أن ابنها زاد بعناده بسبب ضرب والده وأصبح يدخن أكثر، وهي بدلاً من أن تمنعه أصبحت تسايره وتخفي عن زوجها حتى لا تحدث مشكلة أكبر.
وتنص المادة 55 من قانون الصحة العامة للعام 2008 "يحظر على أي شخص بيع منتجات التبغ لمن يقل عمره عن 18 عاماً وبيع السجائر بالتجزئة".
غير أن صاحب أحد محال السوبرماركت أبو عبدالله، يقول "بالرغم من تفعيل هذا القانون، إلا أن أصحاب هذه المحلات لا يلتزمون به"، مشيرا إلى أن الطفل يأتي بحجة أن علبة السجائر لوالده وليس له، وأحياناً قد يرسل حارس العمارة الذي يكون متفقا معه ليشتري له الدخان.
ويبين أن الأطفال بهذا العمر ينجذبون إلى الدخان بطريقة جنونية، وكل واحد منهم يقلد الآخر، مضيفا أن أطفال الحارة يسهرون لساعات طويلة بدون أن يسأل أحد عنهم.
وكانت إحصائيات منظمة الصحة العالمية تشير الى أن التدخين يقتل أكثر من 7 ملايين شخص سنوياً، أكثر من 6 ملايين من هذه الوفيات هي نتيجة التدخين المباشر وحوالي 890000 نتيجة للتعرّض القسري للتدخين.
ووفق نسب وإحصائيات تابعة لمركز الحسين للسرطان، فإن 60-65 % من الأردنيين مدخنون، 49.6 % من الذكور، و5.7 % من الإناث. كما أن 63 % من الذكور بين 25 و34 سنة يدخنون السجائر.
رئيسة جمعية "لا للتدخين"، فاتن حنانيا بينت لـ"الغد" أن الأهل الذين يدخنون أمام أولادهم، يعطونهم مثالا سلبياً بأن التدخين هو شيء طبيعي، وبالتالي لا يمكنهم التأثير عليهم بأي شكل من الأشكال.
وتلفت إلى أن الأهل الذين يريدون أن يكونوا قدوة لأولادهم عليهم أولا البدء بأنفسهم، أو على الأقل عدم التدخين داخل المنزل أمامهم. كما عليهم أن يناقشوا معهم هذه العادة السيئة ومضارها الصحية والاجتماعية.
وبحسب حنانيا، على الأهل التقرب من أولادهم والتحدث اليهم مطولاً عن أضرار التدخين وتأثيره على العقل ومستوى التحصيل الدراسي، وهو أمر مُثبت علمياً، كذلك تشجيعهم على ممارسة الرياضة والقراءة لملء أوقات الفراغ.
ويمكن للأهل استخدام أسلوب العقاب والثواب ومعرفة المفاتيح التي تؤثر على أبنائهم واستخدامها مثل حرمانهم من استخدام الانترنت أو المصروف...الخ. بأي حال من الأحوال، ولا يجب على الأهل تبرير تصرفات أبنائهم وأن يسكتوا ويقفوا مكتوفي الأيدي حيال معرفتهم بأن أولادهم يدخنون.
وتؤكد حنانيا أهمية أن يستعين الأهل بالمرشد الاجتماعي في المدرسة والطلب منه تخصيص وقت للتحدث الى الطلاب من حين لآخر حول مضار التدخين، أو الاستعانة بأصحاب الخبرة حول هذا الموضوع.
مستشار أول الطب الشرعي الخبير في حقوق الطفل، الدكتور هاني جهشان، يرى أن أغلب سلوكيات المراهقين تتشكل من محاكاة والاقتداء بسلوك الكبار في البيئة التي يعيشون بها وخاصة داخل الأسرة والمدرسة.
ويلفت إلى أن وجود الأب أو المعلم المدخن يزيد من احتمال تعود الطفل أو المراهق على التدخين، فيتوجب على والد أو والدة الطفل أو كليهما التوقف عن التدخين، وكلما كان توقفهما مبكرا قل احتمال ممارسة التدخين من قبل أطفالهم.
ولحين توقف الوالدين على التدخين عليهما أن لا يدخنا في المنزل أو في السيارة أو أمام الأطفال في أي مكان.
ويشير جهشان الى أن التدخين مرتبط بفترة المراهقة التي يشعر خلالها المراهق أنه مستقل ومتمرد على الواقع، وأيضا بوجود رفقاء وأصدقاء اعتادوا "التدخين"، فالتدخين موجود في دوائرهم الاجتماعية، وفي الأفلام التي يشاهدونها، وألعاب الفيديو التي يتشاركون بها، والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي التي يزورونها.
وغالبا ما يصور التدخين بطريقة اجتماعية جاذبة للمراهق، لذا يتواجب على الأهل التواصل مع المراهق بطريقة تخلو من العنف والتوبيخ، وإعطاؤه خيارات بديلة عن التدخين وتوضيح عواقب اختيار قرار التدخين، والشرح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن خداع وتضليل شركات الأفلام وألعاب الفيديو وشركات التبغ بالدعاية له وترويج صورة إيجابية عن المدخنين مغايرة للواقع.
ويؤكد جهشان أهمية أن يضع الوالدان قواعد واضحة في المنزل بأن التدخين ممنوع حفاظا على الصحة وبيئة المنزل، وأنه ممنوع أيضا في السيارة وفي أي أماكن تتواجد فيه أفراد الأسرة، وأن منتجات التبغ بأنواعها كافة يمنع دخولها في المنزل.
وأثبتت الدراسات أن فرض قيود صارمة من قبل الأسرة على التدخين وعلى منتجات التبغ في المنزل تؤدي إلى خفض كبير في احتمال تعود مراهقين في هذه الأسر على التدخين.
وإن ادعى الابن أنه لا يدخن يتوجب تكرار الشرح للمراهق عن عواقب التدخين بطريق الحوار وانتهاز أي مناسبة للقيام بذلك.
ووفق جهشان، فإنه كلما سمحت الفرصة، ينبغي إعطاء المراهق أمثلة عن أمراض خطيرة وإعاقات ووفيات مرتبطة بالتدخين حدثت لأقارب أو أصدقاء أو جيران يعرفهم المراهق، لتصل له رسالة واضحة أن عواقب التدخين ليست افتراضات أو توقعات بل حقيقية قاسية مرتبطة في الواقع والبيئة التي يعيشها المراهق.
ويجب التوضيح للمراهق أن التدخين المتقطع أو بعدد سجائر قليل، به خطر كامن للإدمان مستقبلا، وأن الدراسات توضح أن أغلب المدمنين على التدخين كبار السن بدؤوا التدخين في عمر المراهقة.
ويبين جهشان أن التواصل مع المراهق وإقناعه باستقلالية شخصيته أمر مهم للغاية، وبأنه قادر على الاستمرار بلقاء أصدقائه المدخنين، وفي الوقت ذاته أنه قادر على رفض مشاركتهم هذا السلوك.
والأهم من ذلك تجنب المواجهة والتهديد والعنف والقسوة على المراهق، فهي لا تجدي أبدا في دفعه لوقف التدخين، بدل ذلك ينبغي البحث عن السبب الذي دفعه للتدخين، فقد تكون أنت الوالد المدخن السبب وهو يقلدك أو قد يكون المعلم، أو الأصدقاء، فيتوقع من الوالدين استخدام ما ورد أعلاه بصبر وحكمة واستمرار إظهار الود والمحبة للمراهق.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي، الدكتور وليد سرحان، الى أن التدخين بين الأطفال والمراهقين هو الشائع، والأطفال من سن 12 سنة يبدؤون بالتدخين، وللأسف أن الأسرة غالبا ما تعزز هذا السلوك، فالأب مدخن والأم كذلك وهما القدوة للابن.
وينبغي أن يمتنع الأب عن إرسال ابنه لشراء السجائر له، لأنه بذلك يرسل للابن رسائل واضحة، وكأن بإمكانه أن يجرب التدخين، وبالتالي يبدأ الطفل باستكشاف هذه التجربة وبعيدا عن الأهل.