آثار عكسية لرفع الضرائب والرسوم

يتوجب اليوم دراسة التأثيرات العكسية لرفع الضرائب على السلع، وإلغاء إعفاءات على بعض القطاعات الحيوية، على الإيرادات الحكومية والكلف على الشركات الكبرى. إذ إن هناك الكثير من المؤشرات والدراسات الاقتصادية السابقة التي تشير إلى أن رفع الضرائب في أوقات التباطؤ والركود يعمق من سوء الأوضاع الاقتصادية، ولا يحقق غايته. كما أن رفع الكلف على صناعة تعاني أصلا من الإغراق، من شأنه أن يطلق رصاصة الرحمة عليها، وكل ما يعنيه ذلك من تسريح للعمالة وكلف اجتماعية أخرى. اضافة اعلان
إن العودة إلى منطق الجباية، وإلى مدى أكثر من أي وقت مضى، لمعالجة استحقاقات ملحة ازدادت حدة بسبب تقاعس حكومات متعاقبة عن معالجة الاختلالات والانفاق غير العقلاني الذي ساد في فترة البحبوحة، هذه العودة لن تؤتي ثمارها. وما يخشاه كثيرون هو أن الإيرادات المحلية التى يقدرها المسؤولون مبالغ فيها أيضا، لأن المناخ الاستثماري العام السائد اليوم لا يبعث على طمأنة المستثمرين، ومن شأن انكماش السوق الحاصل اليوم، بسبب رفع الضرائب، أن يلغي كل المكاسب المفترضة من إيرادات متأتية للخزينة.
وعلينا أن نتذكر كيف أسهم بعض الإعفاءات المدروسة في تنشيط قطاعات كانت تعاني من التباطؤ الحاد، كالقطاع العقاري على سبيل المثال. ولا يمكن القبول بمنطق استنفاد الغرض من تخفيضات رسوم تسجيل العقار أو الضريبة الذي تحدث به وزير المالية أمس، لأن تلك الخطوات كانت سببا في وقف تراجع السوق، وغيرها الكثير من الإجراءات التي يجب أن تبقى مفعّلة لأجل التحفيز الاقتصادي الذي نحن أحوج ما نكون إليه، عوضا عن نهج طرق أي باب لمزيد من الرسوم وأشكال الضرائب المباشرة وغير المباشرة لزيادة رصيد خزينة الدولة.
إن معالجة الأزمة الخانقة التى تمر بها الخزينة اليوم لن تأتي من زيادة الضرائب على الشركات والسلع، بل عبر تقنين أكبر لسياسة دعم شاملة يستفيد منها الغني قبل الفقير. وما يزال ممكنا تحقيق وفورات كبيرة من شفافية أكبر في العطاءات الحكومية، وتخفيض للنفقات، وعمليات دمج هادفة إلى تقليص الازدواجية في الأعمال.
الأردن اليوم أكثر حاجة إلى المضي في برنامج إصلاحات مالية يعيد التوازن الحقيقي، ويخفض الدين العام، ويعمق الاستقرار النقدي والمالي الذي تأثر بسياسات الإنفاق غير المدروسة التي أهدرت المال العام.
إن شعار العدالة المجتمعية بات اليوم أحد أهم أصداء ثورات الربيع العربي، ومن استحقاقات رياح التغيير القادمة. ولا شك أن السياسات الضريبية تقع في جوهر الأدوات التي تعمل على تقليل الفجوة بين طبقة فاحشة الثراء، وطبقة وسطى ودنيا انزلقت أوضاعها بفعل غياب المنافسة الاقتصادية، مع تنامي الدور الريعي للدولة، إلى جانب هيمنة رؤوس الأموال الاحتكارية.
ويتوجب أن تستهدف السياسات الضريبية، تلك الشريحة من أصحاب المال الطفيليين. أما أن يكون مسعى الدولة نحو الشركات الناجحة والصلبة، والمؤسسات المالية التي تعتبر عماد الاقتصاد الوطني، فإن ذلك من شأنه أن يهرب الاستثمار المجدي الذي نحن أحوج ما نكون إليه لخلق الوظائف والنمو الذي نصبو إليه، لتحسين أحوال عموم الناس.