آخر ملتزم باتفاقيات أوسلو

لقد ألغت الحكومات الإسرائيلية اتفاقية أوسلو نحو العام 2000، بالتوقف عن تنفيذ تعهداتها، مع مطالبة الفلسطينيين بتنفيذ تعهداتهم، وتهديدهم إن لم يفعلوا ذلك، والآن، هذا الأسبوع، تلغي الولايات المتحدة الأميركية أيضاً تعهداتها ودورها بموجب تلك الاتفاقات التي وقعها الإسرائيليون والفلسطينيون في البيت الأبيض العام 1993، وبهذا يبقى طرف واحد ملتزم هو الفلسطينيون، والأنكى أن الخطة الأميركية الإسرائيلية، حالياً، هي إدخال حركة "حماس" للاتفاقية.اضافة اعلان
أعلنت الإدارة الأميركية، هذا الأسبوع، إعلانين فيما يتعلق بالفلسطينيين؛ أولهما، يوم الجمعة، أنها توقف 200 مليون دولار هي قيمة المساعدات المقررة للفلسطينيين للجانب الأميركي، وهي مساعدات جرى تقديمها في نطاق تسهيل عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، وفي إطار قيام الفلسطينيين بالتحول من مشروع المقاومة المسلحة والثورة إلى الأدوات السلمية والتفاوض والقانون الدولي وبناء السلطة ومؤسسات الدولة. والإعلان الثاني هو التأكيد مجدداً، وعلى لسان مستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي قال في زيارة للإسرائيليين هذا الأسبوع، إنّه لا يوجد قرارات بعد، أو تفاصيل، بالنسبة للخطة الأميركية للسلام، أو متى ستعلن. وهذا الأمر يتطابق مع تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة أيضاً، أثناء زيارته إلى ليتوانيا، أن الخطة الأميركية المنتظرة "قد تأتي، ولكني لا أرى أي داع للسرعة في الموضوع".
يبرر الأميركيون وقف المساعدات بأنّ الفلسطينيين ابتعدوا عن المفاوضات، مع أنّ الأميركيين أنفسهم يقولون إنهم لا يعرفون متى تنتهي خطة السلام التي يقولون إنهم يعدونها، ولا يعرفون متى يعلنونها، ونتنياهو يعلن أنه لا شيء عاجلا، وبالتالي هل يعاقب الأميركيون الفلسطينيين على شيء هم لا يرونه عاجلا أو مُلّحا؟ ربما في الواقع أنهم يعاقبونهم حتى لا يروا الشيء (السلام) عاجلاً، وحتى يتنازلوا عنه تماماً، ويقبلوا بالاستسلام، بقبول كل سياسات الاحتلال بصمت.
يأتي وقف هذه المساعدات، بعد وقف مبلغ أكبر مخصص لوكالة الغوث للاجئين، تدفعه الولايات المتحدة، منذ عشرات السنوات وقبل أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وقبل أن يكون هناك عملية سلام، ويبقى هناك جزء ثالث من المساعدات، صغير نسبيا، لم يجر بعد الإعلان بشأنه وهو المخصص للأجهزة الأمنية الفلسطينية، رغم أن إسرائيل توقفت منذ العام 2000 عن احترام الاتفاقيات الأمنية التي تعطي حصانة لمناطق فلسطينية وتضمن وجودا فلسطينيا على المعابر الحدودية، وسوى ذلك.
بينما لا يرى الأميركيون والإسرائيليون، أنّ هناك ما يبرر تقديم مساعدات للفلسطينيين، وتحديداً للقيادة والحكومة الرسميين، يتحدثون عن تقديم أموال ومشاريع لقطاع غزة، تحت سيطرة "حماس"، مع احتمالية تقديمها من أموال الحكومة الفلسطينية. وهذا المشهد يمكن وصفه بكلمات أخرى، بأنّ تقدير الموقف من وجهة النظر الأميركية الإسرائيلية، هو كما يلي: لقد أمِنا جانب منظمة التحرير، ولا يوجد توتر أو ضغط عاجل من هذا الطرف يبرر خطط سلام، أو دفع أموال لهم، ليهدؤوا، أمّا الوضع في غزة فهو غير هادئ تماماً، فإذا تحاورنا معهم هناك، ضَمِنا الهدوء، بل إذا دخلت "حماس" لعبة المقاصة وأموالها، فإنها ستدخل بشكل أو آخر لاتفاقيات أوسلو وترتيباتها، كما أنّ مكانة منظمة التحرير، بكل ما تعنيه للكيانية الفسطينية ستتزعزع، وسيستمر الانقسام الفلسطيني.
من المهم جداً اتفاق الفلسطينيين على أن تجرب مفاوضات التهدئة في غزة بوفد مشترك مظلته منظمة التحرير، كما حدث العام 2014، واتفاقهم على إعادة إطلاق المصالحة الفلسطينية، وبالتالي إرسال رسالتين؛ أولاهما أنّ خروج الولايات المتحدة من التزاماتها بموجب عملية أوسلو، يقابله التحالف بين كل القوى الفلسطينية. وثانياً، أنه لا يمكن بقاء الشق الأمني وحيدا من هذه العملية، ولا يمكن أن يبقى طرفٌ واحدٌ ملتزماً باتفاقيات أوسلو، أو أن ينضم باقي الفلسطينيين لهذه العملية، مقابل ثمن بخس، لا يتضمن شيئا من حقوقهم السياسية والقانونية.
ليس بالضرورة إعلان إلغاء اتفاق أوسلو، فهذا خطأ من الناحيتين الدبلوماسية والسياسية، ولكن الحاسم إعلان التوقف عن الالتزامات تماماً كما يفعل الإسرائيليون والأميركيون، وكلما كان إعلان ذلك أسرع فإنّ فرص تراجع الإدارة الأميركية عن سياسات تصفية القضية الفلسطينية ستكون أكبر.