آفاق التعافي الاقتصادي ومتطلباته

لا يخفى على أحد أن فرص التعافي الاقتصادي في الأردن أصبحت أكثر صعوبة مع استمرار ضغوط جائحة كورونا على مختلف مكونات الدولة، وقطاعاتها، فما تزال سياسات الإغلاق الجزئية سيدة الموقف.اضافة اعلان
استمرار الحال على ما هو عليه أصبح من الصعوبة التعايش معه، واستمرار الركون الى أن العالم جميعه يواجه ذات الأزمة لا يجدي نفعا، لأن مستويات استجابة الحكومات في العالم للأزمة متباينة، من حيث طبيعة السياسات والأدوات والنتائج.
التحدي الرئيس الذي نواجهه في الوقت الراهن يتمثل في كيفية الخروج من هذه الأزمة التي تركت آثارها على مختلف مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي لا تخفى على أحد.
إضافة الى أن فعالية نظم الحماية الاجتماعية والاقتصادية في العالم متباينة، والاختبارات التي مررنا بها خلال الثلاثة عشر شهرا الماضية اثبتت أن منظومة الحماية الاجتماعية والاقتصادية لدينا لم تكن فعالة للتصدي لتداعيات الجائحة الاجتماعية والاقتصادية.
مواجهة تحديات من نوع الانكماش الاقتصادي، وتراجع أداء عشرات آلاف منشآت الأعمال في القطاع الخاص، إضافة الى خروج الآلاف منها من السوق، الى جانب معدلات بطالة غير مسبوقة وتركزها بين الشباب، واتساع أعداد الفقراء ليس أمرا عاديا يمكن مواجهته بسياسات عادية وتقليدية.
تحقيق تعاف اقتصادي ينعكس إيجابا على تحسين حياة الناس يتطلب إعادة النظر في العديد من الخيارات الاقتصادية التي اعتمدناها خلال العقود الماضية، كذلك استمرار العمل بذات الأدوات السياسية الحالية في ادارة الدولة بمختلف مؤسساتها لن يساعد على الخروج من الأزمة العميقة التي نعاني منها دون مراجعة شاملة للسياسات الضريبية التي أرهقت وما تزال ترهق الاقتصاد والمجتمع وهذه السياسات غير العادلة التي تعتمد بشكل كبير على الضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركية)- لن تتمكن أي تدابير لتعافي الاقتصاد من تحقيق أهدافها.
كذلك استمرار اهمال تعزيز الطلب المحلي في تعزيز النمو الاقتصادي من شأنه أن يقوض جهود التعافي الاقتصادي والاجتماعي، وقد أثبت هذا الخيار عدم جدواه، اذ ساهم في اضعاف شروط العمل والأجور ووسع من رقعة الفقر، بحيث أصبح لدينا مئات آلاف العاملين الفقراء، الأمر الذي فاقم من حدة التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية، وهي التي حذر صندوق النقد الدولي – على غير عادته- قبل أسبوعين وحذر من تداعياتها على استقرار الدول ومستقبلها.
كذلك، لن نستطيع تحقيق التعافي الاقتصادي دون إعادة النظر بطرائق إدارة مؤسسات الدولة المختلفة، لاستعادة ثقة المجتمع فيها، وهذا يقودنا الى مراجعة العديد من التشريعات والسياسات الناظمة للحياة السياسية واحترامها.
لا نعيد اختراع العجلة عندما نقول إن المزيد من الديمقراطية على مستوى السياسات والممارسات هو المفتاح الذي يقودنا الى تحقيق تعاف اقتصادي واجتماعي قائم على أسس مستدامة، وذلك لا يتحقق باستخدام أساليب إطفاء الحرائق وتهدئة الأزمات بأساليب آنية ومؤقتة، فسرعان ما تعود هذه الحرائق والأزمات للانفجار مجددا وبأشكال أكثر حدة.
وهذا يدفعنا للعودة الى عدم الاكتفاء بإجراء انتخابات نيابية وبلدية على أهميتها، بل تقوم على المزيد من الانفتاح على الآراء والأفكار الأخرى، وتوسيع نطاق المشاركة في عمليات اتخاذ القرار، وهذا يتطلب تعزيز ممارسات حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والتنظيم النقابي والمدني والحزبي بمختلف اشكاله، الى جانب تعزيز استقلالية السلطات الدستورية المختلفة.
هذا غيض من فيض الأدوات الديمقراطية لإدارة الدولة بمختلف مكوناتها وتفاصيلها، والتي تقوم على احترام المبادئ الأساسية لحقوق الانسان المعروفة، فهي متطلب أساسي للتعافي الاقتصادي والاجتماعي، وهي الكفيلة بتطوير وتطبيق سياسات اقتصادية متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح مكونات المجتمع المختلفة.
مرة أخرى، الأدوات التقليدية التي استخدمناها خلال العقود الماضية في إدارة الدولة واقتصادها لم تعد صالحة لا للحفاظ على الاستقرار المستدام لها، ولا للخروج من أزمتنا المركبة، والتقدم باتجاه تعاف فعال ومستدام.