أبناء الأردنيات

شخصيا، عرفت حالات مختلفة لأردنيات تزوجن من غير أردنيين، ولامست حجم المعاناة الكبيرة لهن في محاولة تكاد تكون مستحيلة في توفير عيش كريم لأبنائهن، لكن الألم والمعاناة لم يعفيا الأردنيات وأبناءهن من الغايات السياسية، ولم يطفئا هواجس سياسية تجاه الخطوة التي لا تزيد عن توفير حقوق الإنسان الأساسية. اضافة اعلان
هل يتخيل أحدكم أن لا يرى ابنه مدة 12 عاما، وهل تقدر أم أو أب على التعايش مع معاناة أبنائهم اليومية في الحرمان من التعليم والطبابة والعمل وغيره؟!.
الربط بين منح أبناء الأردنيات حقوقا مدنية ومشروع التوطين لم يتوقف، وما تزال التحذيرات مستمرة من خطورة مثل هذا التوجه على هوية البلد وتصفية القضية الفلسطينية.
المبالغة في الأبعاد السياسية لمثل هذه الخطوة واضحة، ولم يمر يوم دون أن نسمع تصريحا يعتبر توفير الحقوق الأساسية لأبناء أخواتنا، إنما هو تنازل أولي في طريق تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
التطمينات الحكومية المتكررة والتأكيدات المتتالية بأن القرار لن يتضمن حقوقا سياسية مثل الجنسية والأرقام الوطنية لم تقنع أحدا، وظلّ الحديث يتكاثر دون أدنى اعتبار للظروف اللاإنسانية التي يحياها أبناء الأردنيات.
لماذا تركت التطمينات جانبا، ولم تسكت الأصوات المناوئة للفكرة، على اعتبار أنها مؤامرة كونية على الأردن؟
لذلك أسباب مختلفة، أهمها ضعف الثقة بكل ما هو رسمي، وسيطرة فكرة المؤامرة على الأذهان في كثير من الأحيان، وربما ساعد تزامن التوقيت بين القرار وإصرار وزير الخارجية الاميركي جون كيري على السير بمفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أمل أن يسجل منجزا تاريخيا باسمه!، على تنامي هذه الهواجس السلبية.
المطالبة بحقوق أبناء الأردنيات ليست جديدة، وثمة مطالب كثيرة بهذا الخصوص، لكن بالمقابل هناك مراكز قوى ترفض الفكرة، وتعتبرها سابقة لأوانها.
الموافقة الرسمية على التوجه جاءت بعد جهود بُذلت من قبل القائمين على المبادرة النيابية، والتي نتج عنها اتفاق نهائي، تمنح بموجبه الحكومة أبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب، الحقوق المدنية، دون الحقوق السياسية أو الجنسية الأردنية.
الاتهامات والتوجس من الخطوة طالت الكثيرين؛ حكومة ونوابا، وخصوصا منسق المبادرة النيابية النائب الدكتور مصطفى حمارنة، رغم أن المطالبة بإنصاف أبناء الأردنيات ليست جديدة.
لا يعلم كثيرون أن النسخة الأولى للتعديلات الدستورية التي تمت في العام 2012، تحديدا المواد المتعلقة بالمساواة بين الأردنيين والأردنيات كانت على النحو التالي "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الجنس أو الدين".
 التغيير فرض على هذه المادة وخرجت في صيغتها النهائية دون كلمة الجنس، والهدف عدم منح حقوق متساوية للأردنيات والأردنيين، تحديدا ما يتعلق بالجنسية والرقم الوطني.
أما أن يكون الرفض لمنح الحقوق المدنية، ففي ذلك ظلم للأبناء والأمهات، وعدمية، تنكر حق الإنسان في الأساسيات؛ إذ لا يجوز أن تبقى المخاوف سببا في حرمان مئات الآلاف من حقوقهم.
قد تكون قضية الحقوق السياسية جدلية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة وجولات كيري المكوكية، والخلاف فيها مشروع شريطة أن يبقى الحوار راقيا مترفعا، بحيث لا يتحول الاختلاف إلى خلاف أكبر وأخطر بكثير مما هو عليه.
والخوف على هوية البلد مسألة محقة، ويقابلها في الكفة الأخرى المواطنة التي لا تبنى إلا بالحصول على الحقوق وأداء الواجبات والتوازن بين الكفتين ضرورة لبناء مواطنة حقيقية.
في مثل هذه المواقف تبرز الاتهامات الجاهزة، لكن حق الإنسان في حياة كريمة مسألة لا يمكن التنازل عنها، وغير قابلة للمزايدة.

[email protected]

jumanaghunaimat@