أبناؤنا ليسوا متاريس وحَمَلة يافطات!

لا أحدَ ينكر حق المعلمين في الاعتصام من أجل تحقيق مطالب وحقوق تتمثل في إيجاد جسم تنظيمي يرعى مصالحهم، ويتابع قضاياهم، ويمنع الظلم الذي وقع عليهم خلال العقود الماضية.

اضافة اعلان

فمهنة المعلم بكل ما تحمله من معان سامية، تعطي أولئك الغاضبين هذا الحق، وتؤهلهم للمطالبة بحقوقهم التي هضمت في السنوات الماضية، بعد أن أدى تراجع الاهتمام بالمعلم إلى تدني المستوى المعيشي لهذه الشريحة التي أضحت في أدنى درجات سلم المداخيل.

المعلمون عماد المعرفة والتعليم في مجتمع يركز على القوى البشرية كأساس لتحقيق التنمية والتطور، وهم المسؤولون عن تخريج أجيال تحمل هم الوطن وتدافع عنه، وهذه المسؤولية تفرض عليهم أن يراعوا هذه المسألة، وأن يتحملوا ما تمليه عليهم مهنتهم التي تتصدى لتعليم الأجيال وتنشئتهم وفق رؤية أخلاقية ذات أبعاد غاية في الحساسية.

ووفق تلك الرؤية، فإن واجب المعلمين يفرض عليهم ألا يستخدموا الطلبة كمتاريس من أجل نيل المكاسب، فما الجدوى من تحقيق بعض الفوائد بعد استخدام الطلبة كأسلحة لخوض “معركة” المعلمين، وتحصيل حقوق لربما أمكن الحصول عليها وأكثر بالحوار.

مرة أخرى، أود التأكيد على أن التعبير حق مصون والمطالبة بتغيير حال المعلمين أمر نقف خلفه وندعمه، فتحقيق أمنيات المعلمين وتطلعاتهم بلا شك يصب في مصلحة الجميع، وخصوصا طلبة المدارس الذين ينهلون من معلميهم الأخلاق والمعرفة.

الأمر غير المرغوب فيه بكل ما يجري هو طغيان حالة الفوضى على المشهد التعليمي، واتساع الحالة يوما بعد يوم لدرجة خلطت معها الأوراق وتشتت الأهداف، حيث ضاع هدف إنشاء النقابة وسط المطالبات بإقالة وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم بدران، والبحث عن التفاصيل والغرق في حيثياتها، بدلا من التركيز على الغاية العليا.

خلال الأيام الماضية وصل صوت المعلمين إلى كل الجهات المعنية، ولم يعد الاستمرار في مسلسل الإضرابات ينفع أحدا، بل صار ضارا بالطلبة الذين تعطلت دراستهم لدرجة دعت الأهالي إلى الشكوى من الضرر الواقع على أبنائهم نتيجة استمرار حالة الاحتجاج واللادراسة!

بوادر الحل الحكومي المطروح لمشكلة المعلمين تستدعي قرارا حكيما من المعلمين للجلوس إلى الطاولة، من أجل الخروج بنتائج إيجابية تصب في مصلحتهم، وتحسّن ظروفهم المعيشية.

الكلمات التي وجهها رئيس الوزراء سمير الرفاعي للمعلمين ليلة أمس تعكس الحرص الكبير الذي توليه الحكومة لهذه الشريحة، إذ أكد أن المعلم شريك حقيقي وفاعل في صياغة ملامح المستقبل المشرق.

حديث الرئيس، الذي ربما يلتقي وفدا من المعلمين، يؤكد حرص الحكومة على الارتقاء بأحوال هذه الشريحة المهمة والواسعة، وتوفير الأفضل لها، لا سيما وان الرفاعي شدد، غير مرة، على أن حكومته وضعت على رأس أولوياتها تحسين مستوى معيشة المواطنين، بقطاعاتهم وشرائحهم كافة، وأن قطاع المعلمين يحظى بكل الرعاية والاهتمام من قبل الحكومة، نظرا لدوره الرائد في المجتمع.

المعلمون أوصلوا رسالتهم خلال الفترة الماضية، لكنّ إطالة أمد الاحتجاج، واستمرار حالة الفوضى في المدارس، وإخراج الأطفال من الصفوف لدعم معلميهم سيضر أكثر مما ينفع، وعلى المعلمين ألا يخسروا تعاطف الناس مع قضاياهم المطلبية، خصوصا وأن احتجاجا مقابلا من الأهالي على ممارسات بعض المعلمين، يتعين أن ينظر إليه بصفته دقا لناقوس الخطر، فأبناؤنا يتعين أن ينهلوا العلم، لا أن يكونوا متاريس، أو حَمَلة يافطات لا يفقهون محتواها!  

[email protected]