أبو يعرب المرزوقي وخديعته الفلسفيّة

أبو يعرب المرزوقي مفكرٌ إسلاميٌّ تونسي، وهو قادمٌ إلى الإسلام السياسيّ من الفلسفة؛ فقد دَرَسَ الفلسفةَ في السوربون، ودرّسها في الجامعات في تونس وماليزيا. وله كتب كثيرة في عناوين تدور بين الفلسفة والإسلام والغرب. وهو متحدّثٌ ذَرِبُ اللسان يمكنُ أن يُحاضرَ ارتجالاً في ما هو برنامجُه من الإسلام السياسيّ ولغتِه الدّالة. وإذ هو بارعٌ في المصطلح الفلسفيّ، بحكم الدراسة والتدريس الجامعيّ، فإنه بارعٌ أيضاً في الخداعِ الفكريّ القائم على تلوين النصّ التعبُّديّ والمصطلح الدينيِّ بأمداء من الفلسفة تبدو معه عبارتُه رصينةً بليغةً. ولكنْ وراء الرصانةِ والبلاغةِ الفلسفية بعدٌ سياسيٌّ إخوانيٌّ في قراءته للعالمِ وللواقعِ، وفي تبشيرِه لمستقبل العالم ولمستقبل الإسلام السياسيّ فيه. اضافة اعلان
يبدو لي المرزوقي نسخةً أكثر عمقاً من الداعية زغلول النجار الذي يخلو من أيِّ عمقٍ، والذي استهواهُ زجٌّ أهوجُ للعلومِ النَّظريَّةِ والتَّطبيقيَّةِ في النصّ المقدس، ظنّاً منه أنه بذلك يخدمُ دينَه، أو على الأرجحِ أنه وجد من هذه النظريّة المتداعيةِ مصدرَ رزقٍ لا يفنى. فقد صارَ له من المريدينَ من يضعُه في مصافِّ الصحابة، ومن يكفِّرُ من يستهينُ به وبعلمِه.. وهذه مرتَبةٌ ما كان ليحلمَ بها! وإذا كان من الممكنِ أن نسمّي الزغلولَ دجّالَ علمٍ، كما شرحنا ذلك في مقالةٍ سابقة، لأنه يكذبُ حتى في حقائقِ العلم، ويخدعُ مشاهديه برشِّ نكهةِ العلمِ على الدين، فإنّنا يمكن الزّعمَ أن أبا يعرب دجّالُ فلسفةٍ، لأنَّ مرادَه من مسعاهُ إنما هو تسويغُ المشروعِ الإخوانيّ، تحديداً ودون غيرِه، بلسانِ الفلسفة. فهو ينكّه الدينَ (الذي هو من منظوره) بنكهةِ الفلسفة. ومع ذلك فإنَّ منهجَ الزغلول يؤدي إلى تغييبِ العقلِ والتدبُّر وتبريرِ تخلّفِ المسلمين بحيلةٍ تُشعرهم أنهم خيرُ أهلِ الأرض، بينما هم أعقُّ أهلِ الكوكب به، وأفرغُهم من خدمة البشريّةِ بعلمٍ أو اكتشافٍ أو اختراع، مع هجومٍ مُرٍّ على المناهج العلميّة التي لا تأخذ بالخرافة ولا بالأساطير، بينما منهجُ أبي يعرب هو توظيفُ العقلِ والخطاب الفلسفي للوقوفِ ضدَّ العقل نفسِه وضدَّ الفلسفة أيضاً. ولهذا حديثٌ طويلٌ.
وتبدو واحدةٌ من أخطرِ طروحات المرزوقي المغلّفة بالفلسفة، وهي "وحدةُ الإنسانيّة"، أولويّةً مطلقةً لديه ولدى الإخوانِ المسلمين. وإذ تبدو هذه الأطروحةُ نبيلةَ المقصد، تلتقي مع المذهب الإنساني الذي يرى في مجموع الجنس البشريِّ سكاناً، وفي الكوكب وطناً متساوياً للجميع، إلا أنّها في حقيقةِ الأمرِ تُخفي طمعَ الإخوان (وهو طمعُ السلفيّة أيضاً وسائر المتأسلمين) في حكمِ العالم! فمن خلالِ تلاعبٍ صارخٍ بالنصّ القرآني، سيبدو الرجلُ شاهدَ توحيدٍ بين الإسلام كدعوة إيمانية لجميع البشر، وبين شهوة السلطةِ التي تعمر رؤوس الإخوان للسيطرة على الكون. حيثُ يصبحُ الإسلام هو نفسُه مشروعَ الإخوان السياسيّ. وهذا لاتناهٍ في الخلل المنهجي، لأنه يستعملُ النصَّ القرآني بعد لَيِّهِ مئةَ مرةٍ، كتطبيقٍ ودليلٍ على فكرةٍ بشريّةٍ محضة. أي أنَّه يدخلُ إلى النصِّ بِنِيّةٍ مُبيَّتةٍ، للتدليلِ المزيَّفِ على بنيانٍ قائمٍ مليءٍ بشهوات السلطة والسيطرة.
لن نعجبَ بعد هذا أن نرى تلك الفقاعات التدميريّة في جسدِ الغرب، ومظاهر العنفِ والإرهاب، في تقتيل البشر والبنى التحتيّة والفوقيّة، التي تسعى ظاهريّاً إلى الانتقام من سياسات الغربِ تجاه المسلمين، بينما هي في الحقيقةِ تعبيرٌ شرسٌ عن تلك الفكرةِ المموّهة بوحدة الإنسانيّة، وسعيٌ حثيثٌ نحو احتلالِ الغربِ وتأمين حدوث الدولة الإسلاميّة، حلمِ جميعِ ألوان الطيفِ الإسلاموي، مهما ادّعوا عكس ذلك أو غيرَه.
ومع ذلك فالتنويرُ هو الحل.. وبذا لن نفقد الأمل..!