أجيال في عين العاصفة!

العائلة هي أساس بناء المجتمع. ومن دون استقرار عائلي، لا يمكن أن نبني مجتمعاً مستقراً. وأعتقد أن ما يجري في الكثير من المجتمعات من جرائم أو سلبيات، هو نتاج طبيعي لوضع عائلي غير صحي أو غير إيجابي.اضافة اعلان
الطلاق حق شخصي كفلته أغلب الشرائع السماوية والأرضية، لإنهاء رابطة الزواج بعد أن تصل إلى مرحلة لا يمكن معها الاستمرار، رغم كل المحاولات الإصلاحية. والطلاق هو احترام لإنسانية الإنسان الذي يفشل في اختيار رفيق دربه سواء الرجال منهم أو النساء. والعائلة العراقية وجدت نفسها أمام تحديات مصيرية، ربما بعضها يصل إلى طرق غير نافذة وتنتهي بالخراب؛ نتيجة الظروف الشاذة التي تعاني منها البلاد. ولهذا لاحظنا ارتفاع نسب الطلاق في الوطن في الآونة الأخيرة، في حالة يمكن أن نقول عنها إنها جديدة وغير مألوفة في المجتمع.
وفي بداية الشهر الحالي، قال المتحدث باسم السلطة القضائية الاتحادية في العراق عبدالستار بيرقدار، في بيان، إن "محاكم البلاد سجّلت خلال الشهر الماضي 8341 زواجاً، مقابل 5209 حالات طلاق"، وإن "أعلى حالات الزواج سجلت في بغداد (بجانبيها الكرخ والرصافة) بـ2454 حالة".
وكانت السلطة القضائية الاتحادية أعلنت، نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2016، عن تسجيل محاكم البلاد أكثر من 4500 حالة طلاق، مقابل 24741 حالة زواج.
وعن ظاهرة الطلاق وأسبابها، أكد القاضي العراقي باهر العزاوي أن "المحاكم مستمرة في تسجيل حالات متزايدة للطلاق"، وأن "العامل الأساسي الذي يقف وراء حالات انفصال الأزواج هو الاقتصاد، وكذلك إقدام الشاب على الزواج في الوقت الذي ما يزال يعتمد على ذويه في تلبية حاجاته المعيشية وهو لا يعمل؛ ونتيجة لعدم قدرته على توفير مورد للإنفاق على زوجته، تتحول حياة العائلة إلى جحيم وتنشب الخلافات التي تنتهي بالطلاق". وهناك "أيضاً الزواج المبكر والاختلاف في الجوانب  الفكرية والثقافية والمستوى العلمي، كونها أسهمت كذلك في اتساع فجوة الخلافات بين الزوجين".
وبحسبة بسيطة، يمكن أن نسجل أنه خلال شهرين فقط فسخ عقد الزواج لـ9709 مواطنين، ما يعني أن 19418 إنساناً من الجنسين تحطمت أحلامهم ببناء أسرة، هذا على افتراض أنهم لم ينجبوا أطفالاً. أما إذا كان هناك أطفال، فأظن أن الحسبة ستكون معقدة من الجوانب كافة؛ النفسية والصحية والفكرية والاجتماعية.
الطلاق في العراق لم تعد أسبابه اقتصادية فقط، بل ربما بعضها نتيجة تداعيات الجوانب الطائفية أو الدينية أو السياسية أو حتى الأخلاقية، وذلك بسبب الظروف المتداخلة والمتنوعة التي نشأت بعد مرحلة الاحتلال الأميركي في المجتمع العراقي. ويمكن إرجاع أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في العراق إلى جملة من العوامل منها:
ازدياد الضغوط النفسية على الزوجين، وبالذات على الذكور منهم، نتيجة استمرار حالة الانفلات الأمني التي تؤدي إلى عدم القيام بالواجبات المالية والاجتماعية المفروضة عليهم؛ ازدياد معدلات البطالة، وبالأخص في المناطق التي تعاني من انهيارات أمنية بين فينة وأخرى؛ ارتفاع معدلات الإدمان على المخدرات بين الشباب؛ كثرة حالات الزواج المبكر، وبالتحديد بين البنات الصغيرات، اللواتي لم يفهمن بعد حقيقة الرابطة الزوجية؛ تفكير بعض العائلات -وبالذات الصغيرة أو الجديدة منها- في الهجرة إلى خارج البلاد نتيجة الظروف غير الصحية في العديد من المحافظات، ما يرفع درجة الخلاف، لعدم تقبل الكثير من العراقيين فكرة هجرة بناتهم إلى الخارج؛ الانتشار الخاطئ لثقافة التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي -ربما- أدت لانهيار العديد من العائلات.
هذه العوامل وغيرها أدت إلى ارتفاع هذه الظاهرة التي لم يعرفها المجتمع العراقي من قبل بهذا المستوى الخطير. وعليه، أظن أنه ينبغي أن لا تمر تلك الإحصاءات مروراً عابراً، كونها تمثل مستقبل الأسرة العراقية، ومستقبل الوطن؛ واستمرار هذه المعدلات يُنذر بكارثة اجتماعية لا تقف تداعياتها عند حدود الأجيال الحالية، بل تتعداها إلى الأجيال المقبلة، وتجعلها في عين العاصفة.