سواد أهل شرق الأردن هم من العشائر؛ من ينتمي منها للبادية، وكانت إلى ما بعد تأسيس الدولة مترحّلة في أغلبها؛ ومن ينتمي للفلاحة والتي أقامت قراها واستقرت حول زراعاتها. قبل قيام الدولة، تفردت الأراضي، باعتبارها مخزن الموارد، برسم حدود المصالح بين العشائر نظراً لارتباط معاشها بالمراعي والمياه، ما جعل حدود الأراضي، والاجتهادات من حولها، خطوط تماس ساخنة فيما بين العشائر لسنوات عديدة ما بعد قيام الدولة.
السلطات التي سعت إلى تعزيز بناء الدولة، كان عليها توطين الرحّل من العشائر، ونزع فتيل الخلاف فيما بينها، والحيلولة دون نزاعات تعيدها إلى ولاءاتها الفرعية على حساب الولاء الوطني الجامع الذي تسعى الدولة إلى تعزيزه. أمر جعل الدولة تترك الباب موارباً أمام الإقرار بملكية اجتماعية يمليها الأمر الواقع لصالح العشائر في أراض هي من ناحية قانونية ملك لخزينة الدولة.
اكتفت الدولة بالإقرار الشفوي بحقوق للعشائر في الأراضي المحيطة بمواقع سكناها. ومن الناحية العملية لم تفعل شيئاً حتى العام 1945، حين وقعت على وثائق تقر فيها لبعض عشائر البادية التي بدأت استقرارها بحقوق في الأراضي القريبة من مناطق إقامتها التي تنتشر فيها وتستخدمها كمراع لها. لكن الدولة عادت وتجاهلت الأمر عندما صدر قانون تسوية الأراضي والمياه العام 1952، فلم يشر القانون إلى هذه الحقوق، واكتُفي بتحديد الأرض المِلك والأرض الميري التي تقع خارج حدود التنظيم وحدود البلديات.
رغم ما صار شائعاً من استخدام تعبير الواجهات العشائرية للتعبير عن حقوق للعشائر في أراض، وبخاصة في مناطق البادية، إلا أنه وحتى صدور قانون تسوية الأراضي والمياه العام 1952 لم تترتب أي حقوق قانونية للعشائر بهذا الخصوص، وظل مفهوم الواجهات العشائرية حتى العام 2000 محكوماً بوجهتي نظر: الأولى للعشائر، وترى فيها ملكية اجتماعية يمليها الأمر الواقع؛ والثانية للدولة، وترى فيها ملكية قانونية لخزينة الدولة، ولكنها تبدي استعداداً لتمليكها للعشائر من حيث المبدأ.
منذ العام 2000، تمت أوسع أعمال تسوية في تاريخ الأردن، جرى خلالها تسجيل 75 % من أراضي المملكة باسم خزينة الدولة، وتُرك أكثر من 8 ملايين دونم لتخصيصها للواجهات العشائرية. وقد بعث ذلك الحياة مجدداً، وعلى نحو غير مسبوق، في مسألة الواجهات العشائرية، وجعلها أقرب إلى وجهة نظر العشائر من أي وقت مضى، وأبعد عن طروحات سابقة للحكومة أطلقتها في مطلع الثمانينيات وتحدثت فيها عن حقوق استخدام رعوي وزراعي وسكني لا ترقى إلى مستوى المِلكية.
مرت عشر سنوات منذ ذلك الوقت وما تزال مسألة الواجهات العشائرية من دون حل، ليتبين حديثاً، ومنذ سنوات قليلة، أن بعض الأراضي التي خصصت للواجهات العشائرية إثر أعمال المسح والتسوية التي بدأت العام 2000، قد تم التصرف بها أو تقديمها مجاناً لمستثمرين محليين وأجانب، وأن بعضها الآخر قد جرى تسجيله بأسماء شخصيات سياسية واجتماعية متنفذة من وجهاء العشائر، بنية توزيعها فيما بين وجهاء العشائر دون غيرهم، مما اعتبر فساداً رسمياً، وأدى إلى احتجاجات واعتصامات عنيفة من قبل بعض العشائر. وجرى تسييس الأمر ليحتل عنواناً بارزاً في مشهد الإصلاح السياسي.
بين قضايا عديدة تتراكم تداعياتها منذ عقود طويلة مضت دونما حل، نمت قضية الواجهات العشائرية كواحدة من أبرز هذه القضايا، ما حوّلها إلى أحجية، لم نعد نعرف معها هل الخلافات بين العشائر هي ما يحول دون فك أسرارها، أم هو تقاعس الحكومات عن القيام بواجباتها؟
انت كاتب ذكي
اهم ما يميز معظم كتابنا الاردنيين بمسك العصا من النصف فهو لا يقول الحق على العشائر ولا على الحكومات .اذا انت لا تعرف ما الحل وانت دكتور وابن عشيرة مرموقة تريد الحل السحري من حكومتك كيف؟هل معاهم الوحي ام علماء لحل المشاكل؟اعتقد ان الحل واضح ولكن من يجرؤ على طرحه؟حتى انت ككاتب لا تجرؤ على ذكره