.jpg)
ليندا غرينهاوس — (نيويورك تايمز) 24/12/2014
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
مضى أكثر من عام منذ أن كتبت عن غوانتنامو. وقد أدهشتني تلك الحقيقة عندما أدركتها قبل أيام. وكنت معتادة على الكتابة عن غوانتنامو كل بضعة أشهر، حين كانت التطورات في المحاكم أو في السياسة تعرض على الأقل تلميحاً إلى أن التطورات ربما شرعت في اتخاذ اتجاه جديد –مهما كان التلميح مراوغاً، كما هو حاله دائماً.
في تلك المقالة الأخيرة التي كنت قد كتبتها في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، ذكرت معتقلاً جزائرياً يدعى عبد الرزاق علي، والذي كان قد خسر لتوه قضية الاستئناف الذي قدمه إلى محكمة الاستئناف الأميركية في دائرة مقاطعة كولومبيا ضد أمر الإحضار. وكان علي قد اعتقل في باكستان في العام 2002 خلال مكوث قصير له في بيت للضيافة، والذي اعتقل فيه مقيم آخر في نفس الوقت، هو أبو زبيدة، القرين المقرب من أسامة بن لادن. وكان مكمن شكوى علي الأساسي هو “الصدفة سيئة الطالع” المتمثلة في تواجده أثناء تواجد إرهابي القاعدة المطلوب أكثر ما يكون، واعتقاله من دون أي حجة تثبت أنه كان قد انخرط هو نفسه في أي أعمال عدائية، وهو ما لا يبرر اعتقاله لمدة 12 عاماً في غوانتنامو. وقد حاجج بأنه ليس مقاتلاً عدواً، وإنما مجرد ضحية “ذنب ارتكبه بيت الضيافة”.
في سياق قضايا المعتقلين الماثلين أمام القضاء في معتقل غوانتنامو، فإن الحالات كثيرة التنوع. وثمة احتمال بأن يكون الأمر الذي رفعها عن الاعتيادية هو رأي منفصل أدلى به قاضٍ رفيع في المحكمة، هاري تي إدواردز. وقال القاضي إدواردز إن سوابق الدائرة حول كيفية تعريف العدو المقابل القابل للاعتقال تطلبت منه أن يتوافق مع رأي الأغلبية. لكنه نظراً لعدم وجود نهاية في الأفق لـ”الحرب على الإرهاب”، كما قال، فإن نتيجة القرار يحتمل كثيراً أن تكون إرسال علي إلى الاعتقال لبقية حياته.
كتب القاضي إدواردز: “على أقل تقدير، يبدو الأمر غرائبياً بالنسبة لشخص مثل علي، الذي لم يتهم أبداً ولم يوجد مذنباً بالقيام بعمل جنائي، ولم يخطط أبداً أو يخول أو يرتكب أو يساعد في أي هجمات إرهابية، أن يكون معرضاً الآن للحكم عليه بالسجن مدى الحياة”. (الاقتباس من قوانين في الكونغرس تخول استخدام القوة العسكرية). وقال القاضي إدواردز إن “السؤال الإشكالي” كان يدور حول ما إذا كان توسيع دائرة مقاطعة كولومبيا معنى المقاتل العدو الآن “إلى ما وراء بنود هذه التخويلات القانونية التي تعتبر فيها مجريات الأمر بالمثول أمام المحكمة مثل تلك التي قدمت لعلي، سيكون عديم الفائدة من الناحية الوظيفية”.
حسناً، فلنجعلها 13 عاماً لعبد الرزاق علي، والعد ما يزال مستمراً. يوم 6 تشرين الأول (أكتوبر)، اليوم الأول من سريان الحكم الحالي، رفضت المحكمة العليا استئنافه من دون تعليق. (علي في مقابل أوباما رقم 13-10450).
قرع القاضي إدواردز جرس إنذار مشابه في قضية أخرى في غوانتنامو، استئناف لمعتقل يمني، هو عبد القادر أحمد حسين، الذي كان مراهقاً عندما اعتقل في وقت مبكر من العام 2002 في فيصل أباد في باكستان. وكان المطاف قد انتهى به هناك بعد وقت قصير من هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، بعد هروبه من أفغانستان حيث كان يعيش مع ثلاثة من حراس طالبان بالقرب من الخطوط الأمامية للحرب بين طالبان والتحالف الشمالي. وحاجج بأنه لم يشارك في أي أعمال عدائية ضد الولايات المتحدة. لكن محكمة الاستئناف لاحظت عدم وجود ترابط في تقريره عن تحركاته في الشهور التي سبقت اعتقاله، فقالت إن حسين “أكثر احتمالاً من العكس لأن يكون جزءاً من قوات العدو عند اعتقاله”، وهكذا صدر التفويض باستمرار اعتقاله.
تساءل القاضي إدواردز في رأيه الموافق “هل من المفاجئ حقاً أن يبدو مراهق، أو أي شخص يتذكر سنوات مراهقته، غير قابل للتصديق؟” وكتب القاضي إدواردز: ” إنني متضايق من فقهنا القانوني. لقد حان الوقت لأن يقوم رئيس الكونغرس بالتفكير جداً في منهج مختلف مع حالات معتقلي غوانتنامو”.
كان استئناف حسين لدى المحكمة العليا قد استرعى انتباه أحد القضاة، ستيفن جي براير. إلى جانب قرار المحكمة في نيسان (أبريل) الماضي الامتناع عن الاستماع للاستئناف، أرفق القاضي براير بيانا منفصلاً يلاحظ أن على المحكمة العليا أن تقرر ما إذا كان قانون، أو حتى الدستور نفسه، يسمح باعتقال شخص، والذي بينما يكون عضواً في القاعدة أو طالبان، لم ينخرط بالفعل في نزاع مسلح ضد الولايات المتحدة. لكن القاضي براير لم يصوت لصالح الاستماع إلى القضية، ولا أي قاض آخر أيضاً.
وإذن، هذه هي الكيفية التي مضى فيها العام في غوانتنامو. وتعد هذه التطورات وأخرى مثلها مجرد نقاط على خريطة جديرة باهتمام أكثر من الذي تلقته، لكن من الصعب جمعها في سرد يقول أكثر من فكرة “عالقين”. نحن سجانو غوانتنامو الذي هبط عدد المعتقلين فيه الآن إلى 132 معتقلاً بعد الإفراج عن أربعة معتقلين أفغان مؤخراً، لكننا سجناء هناك أيضاً، ولا نستطيع العثور على طريقة للخروج.
ربما أكون لأترك موضوع غوانتنامو وشأنه لولا نشر تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ في وقت سابق هذا الشهر حول ممارسات وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في الاعتقال والتحقيقات. وكان ما استرعى انتباهي، والفضل يعود لمدونة التايمز القانونية، هو الفصل الذي تم سرده على الصفحات 140-142 من الملخص التنفيذي للتقرير الذي يقع في 499 صفحة.
على تلك الصفحات القليلة، يستحضر التقرير أنه في كانون الثاني (يناير) من العام 2004، وبعد وقت قصير من إصابة المحكمة العليا لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش بالصدمة، من خلال موافقتها على تقرير ما إذا كانت القاعدة البحرية في خليج غوانتنامو تقع خارج اختصاص المحاكم الفدرالية، قررت وكالة الاستخبارات المركزية أنها قد تحتاج إلى اتخاذ إجراء وقائي. وقد أثار مستشارها العام مع محامي إدارة بوش موضوع ما إذا كان خمسة معتقلين من ذوي القيمة الكبيرة المحتجزين هناك (بمن فيهم أبو زبيدة ورمزي بن شيبة) يجب إرسالهم إلى مواقع سوداء في بلدان أخرى لضمان بقائهم خارج دائرة الوصول القضائي. وكان الجواب: نعم. وفي التقرير الذي نشر على الملأ، تم حجب المواقع التي تم إرسالهم إليها.
كانت وكالة الأسوشيتدبرس قد اكتشفت وغطت عملية التسليم في العام 2010 ، وأنا إما فاتني ذلك أو أنه يثير السؤال الذي يثور راهناً، بعد أربعة أعوام، في ذهني. وكانت دعوى المعتقل التي بدأت مع قضية العام 2004، (رسول ضد بوش)، والتي كان عليها التخلص من العديد جداً من العوائق التي كان البيت الأبيض والكونغرس قد وضعاها في جهد للدفع ضد المحكمة، قد استغرقت أربعة أعوام أخرى للبت فيها. وفي النهاية، في قضية (بومدين ضد بوش) في العام 2008، قضت المحكمة العليا على نحو قاطع بأن لدى المعتقلين الحق الدستوري لتحدي سجنهم الانفرادي عن طريق التماسات الأمر بالمثول. وثمة 200 التماس قدمت للمحكمة الفدرالية.
وعليه، هذا هو سؤالي. لقد أفضت مجرد مراجعة قضية (رسول ضد بوش) إلى الإفراج عن خمسة معتقلين من غوانتنامو. فكم هو عدد المعتقلين الذين خرجوا من السجن فعلاً بفضل الممارسة الناجحة لحقهم في الأمر بالمثول أمام المحكمة؟
الجواب ليس بالمئات، ولا بالعشرات، وإنما دزينة أو نحو ذلك. ولا يشمل ذلك الرقم الإيغوريين الصينيين السبعة عشر، الضحايا سيئي الطالع للسياسة العالمية، والذين حتى إدارة بوش اعترفت بأنهم اعتقلوا عن طريق الخطأ، وأنهم حملوا في نهاية المطاف إلى مواقع مرغوبة أكثر أو أقل -بعضها أقل بكثير. وهناك قدر من عدم الدقة في عدد حالات الإفراج وفق الأمر بالمثول، لأن بعض المعتقلين منخفضي القيمة ربما كانت قد تمت تبرئتهم من جانب عدة مجالس مراجعة وتم الإفراج عنهم، كما يحدث الآن أنه يجري شيئاً فشيئاً إخراج وزير الدفاع الممانع على نحو غريب، تشاك هيغل، من القضية.
لكنه مهما كان العدد بالضبط، فإنه يظل ضئيلاً. وأحد الأسباب الرئيسية هو سابقة دائرة مقاطعة كولومبيا التي أشار إليها القاضي إدواردز في قضيتي علي وحسين. وفي حفنة من الأحكام الرئيسية التي رفضت المحكمة العليا مراجعتها، تبنت محكمة الاستئناف موقفاً مفرطاً في توقير الفرع التنفيذي، حيث أصدرت تعليمات لقضاة المناطق الذين يستمعون بالفعل إلى هذه القضايا بأن يسمحوا للحكومة بتقديم كل استدلال ضد المعتقل، وبتقييم الحجة طبقاً لمعيار إثبات مرن جداً. (لا يسري معيار “ما وراء الشك المعقول”، لأن أمر الإحالة هو إجراء فني وليس جنائياً).
كان قضاة المقاطعة يمنحون الأمر بالمثول معظم الوقت مباشرة في أعقاب فترة ما بعد قضية بومدين. لكنه بدءاً من العام 2010، عندما بدأت دائرة مقاطعة كولومبيا في رد تلك القرارات (القضايا الرئيسة كانت “البيهاني ضد أوباما”، و”الأداهي ضد أوباما” و”علي عواد ضد أوباما”، وكلها من العام 2010) كان منح حق المثول على مستوى محكمة المقاطعة غير موجود تقريباً. وقد استسلم قضاة المقاطعة للأمر بشكل أساسي. ( ومما تجدر ملاحظته أن كل قرارات دائرة مقاطعة كولومبيا نتجت عن استئناف من إدارة أوباما: وما تزال الإدارة تدافع بقوة عن صلاحيتها في الاعتقال في المحكمة). وأنا أسأل الآن، كم من هذه القصة ربما كان سيختلف لو أن محكمة الاستئناف التي تم تعزيزها مؤخراً بأربعة قضاة سماهم الرئيس أوباما، كانت في أيدٍ أكثر اعتدالاً خلال الفترة الحرجة عندما كانت المحكمة تصوغ قانون الاعتقال.
يوم 11 كانون الثاني (يناير)، وصل أول 20 معتقلاً إلى القاعدة البحرية الأميركية في خليج غوانتنامو. وكان آخر من وصل في آذار (مارس) من العام 2008. والآن، بزغ فجر يوم جديد على كوبا، وكان يبدو حتى الأسابيع الأخيرة، بالرغم من حتميته، وكأنه لن يبزغ أبداً. فهل ثمة يوم جديد في مستقبل الأيام لغوانتنامو؟ في يوم ما، قد يهز الضيوف المتنزهون على شاطئ فندق الفور سيزنز في غوانتنامو رؤوسهم متسائلين: علام كان كل هذا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Guantanamo Dreams