أحوال البنية التحتية في الأردن

البنية التحتية هي أساس التنمية وعليها يعتمد تطور نوعية الحياة والتنمية البشرية، وهي مسؤولية الدولة أولا وأخيرا في كل النظم الاقتصادية.

اضافة اعلان

توجد حاجة ماسة لوجود وثيقة أردنية مستقلة تصدر كل عامين ترصد أحوال البنية التحتية في الأردن، وتوفر مادة علمية وإعلامية لنقاش جاد حولها، فلقد شهدت أحوال البنية التحتية خلال هذا العقد إنجازات نوعية وتآكلا واستنزافا حادين أيضا، من دون ان تتوفر لدينا مؤشرات واضحة حول ما حدث، ثمة مخاطر ومصادر تهديد محتملة تشير إليها أحوال البنية التحتية تحتاج الى نقاش جاد لعلة أجدى من السجالات السياسية في قضايا لا طائل منها.

البنية التحتية هي أساس التنمية وعمودها الفقري، وتشكل التحدي الكبير أمام جلب الاستثمار والتقدم الاقتصادي، وبالتالي يعتمد عليها تطور نوعية الحياة والتنمية البشرية، وهي مسؤولية الدولة أولا وأخيرا في كل النظم الاقتصادية، ورغم الإنجازات التي تحققت وجعلت من الأردن يحتل الترتيب السادس ضمن مجموعة من 20 دولة وفق مؤشر تدفق الاستثمار الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية العام الماضي والذي يعتمد مدى مواءمة البنية التحتية، إلا ان المخاطر القائمة والمحتملة في أحوال البنية التحتية تحتاج الى فحص علمي دقيق.

توجد مخاطر قائمة تم التعامل مع بعضها مؤخراً، ولكن ليس بالحجم الحقيقي المطلوب، لعل أهمها الفجوة في تركيز البنية التحتية في مناطق محدودة من المملكة وبالتحديد بين عمان والعقبة من جهة وبين المحافظات والأرياف من جهة أخرى، وهي فجوة تقدر بحوالي عشر سنوات، أي اننا نحتاج الى حوالي عقد من الزمن من العمل والإنجاز في بعض المحافظات حتى نردم تلك الفجوة، هذا الواقع الذي يعود الى عقود عديدة أسهم في تعطيل أو تقليل حجم الاستفادة الوطنية من الموارد المتوفرة في أنحاء البلاد، واضعف فرص مئات الآلاف من الأردنيين من بناء دخولهم وقلل من فعالية المجتمع في توسيع قاعدة بناء الثروات على أسس متينة وعادلة، حينما تركز النشاط الاقتصادي ووجهت التنمية الصلبة في مرافق البنية التحتية نحو أنماط اقتصادية استهلاكية وخدمية في مناطق محددة.

من المخاطر القائمة الأخرى، ما يلاحظ من حفاظ  قطاعات مهمة من البنية التحتية على معدلات نمو شبة ثابتة لا تتفق مع النمو السكاني والحاجات التنموية المتزايدة، بمعنى ان النمو السكاني كان يتصاعد على نمط المتوالية الهندسية والنمو في قطاعات البنية التحتية بقي ينمو على نمط المتوالية الحسابية، ولو أخذنا على سبيل المثال مجموع أطوال الطرق في عام 1990 حيث كانت في حدود 6041 كلم، بينما عام 2007 وصلت حوالي7768 كلم، أي انها حافظت على معدل نمو ثابت في حدود (90-100) كلم في العام الواحد رغم التحولات الواسعة التي شهدتها البلاد.

المصدر الثالث لاختلالات أحوال البنية التحتية يتمثل في الزيادة القسرية الكبيرة للسكان والمتمثلة في الموجة التي شهدها الأردن في التسعينيات والحركة السكانية المفاجئة والكبيرة من العراق، وكانت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة قد أشارت صراحة في احد تقاريرها عام 2007م الى ان "تدفق اللاجئين العراقيين قد استهلك البنى التحتية في الأردن وسورية" حيث شهد الأردن حركة سكانية واسعة وصلت الى نحو مليون نسمة، أي زيادة غير طبيعية وصلت نحو 20% من عدد السكان.

ليس دورنا هنا تقييم أحوال البنية التحتية، بل دعوة جهة مستقلة ان تتبنى هذه المسألة وان تضع تصوراً علمياً شاملاً للواقع ، يفحص الإمكانيات ويحدد المخاطر القائمة والمحتملة؛ في مجال الطرق وما نالها من إنهاك نتيجة الضغط الذي تشهده وما ينعكس على حياة المواطنين، وما يترتب على ذلك من كلف على الاقتصاد، وفي مجال المنشآت التعليمية، وهل توفر البنى التحتية التعليمية استجابة لتحدي المطالبة في المحافظة على اقل تقدير على الإنجاز التعليمي الذي تحقق، وما دور هذه البنية في المشاكل ومصادر التهديد التي تطل برأسها في هذا القطاع  بين وقت وآخر، وكذلك الأمر في البنى التحتية في القطاع الصحي ويقاس على ذلك البنى التحتية في مياه الشرب والسدود ومنشآت إنتاج الطاقة والنقل والحدائق العامة والبنية التحتية.

اننا بأمس الحاجة الى تحديد واقع البنية التحتية الأردنية والى أي طريق نتجه، من اجل تحديد خريطة جدية للاولويات للعقد المقبل، وهذا يعني بدء العمل في إطار شمولي واضح منذ هذه اللحظة، ومواجهة مأزق عدالة توزيع التنمية، وبداية جدية لمواجهة تحدي التنافسية الاقتصادية وقوة الاقتصاد، ويعني المزيد من الفعالية والكفاءة في إدارة الموارد المحلية، كما أن ذلك يساعد في مواجهة مبكرة لتحديات بيئية مقبلة. الفكرة الأساسية ان الوثائق العلمية الاسترشادية بحد ذاتها تشكل أساس الشفافية والوضوح، وتنهي لعبة البناء في الظلام.

[email protected]