أخصائي تصميم أطفال

في رواية الخيال العلمي “عالم جديد شجاع” والتي كتبها الدوس هكسلي العام 1931، يصف لنا الكاتب عالما خياليا جديدا يتم فيه “تفريخ الأطفال” في مختبر في مدينة لندن يُنتج أطفالا مُستنسخين خارج الرحم يحملون صفات متشابهة حسب الطبقة المصممين للانتماء إليها وذلك من خلال التلاعب بمكوناتهم الكيميائية والهرمونية، فالأطفال الأكثر كمالاً يتم تصميمهم لممارسة الحكم بينما يتم تصميم نسخ أقل كمالا للقيام بالأعمال المختلفة كل حسب درجة اتقان تصميمه والصفات التي يتمتع بها.اضافة اعلان
وإذا كان الدوس قد توقع لأحداث روايته أن تحصل في العام 2540 فإننا بدأنا نشهد بوادر تحققها في أيامنا هذه من خلال ما يُعرف بتقنية إصلاح الجينات، ومحاولة تصميم أطفال بمواصفات جسدية وعقلية معينة، مما جعل البعض يشطح في انه سيكون بإمكان البشر قريباً أن يتسوقوا أطفالهم في أماكن تُشبه معارض الأجهزة الإلكترونية وأن يختاروا من ضمن قوائم طويلة الصفات المطلوبة والمشتهاة لطفل المستقبل من حيث الذكاء أو العاطفة أو الصفات الجسدية.
لقد أثارت تقنية إصلاح الجينات والمعروفة باسم كرسبر نقاشات واسعة النطاق حول السرعة الهائلة التي ينطلق بها هذا العلم والتي تفوق بكثير قدرة علماء الأخلاق وفقهاء التشريع على وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لها ، ولا أدل على ذلك من الإعلان “القنبلة” الذي صدر عن العالم الصيني “هي” والذي ادعى من خلاله تمكنه من إصلاح الجين المسؤول عن الإصابة بفيروس الإيدز لجنينين من أب مُصاب بالفيروس.
كما يشهد علم المساعدة على الإخصاب فوضى عارمة هذه الأيام فممارسات كبيع أو التبرع بالبويضات والحيوانات المنوية واستئجار الأرحام ، وتعدد الآباء ، أصبحت حقيقة ماثلة في الكثير من الدول الغربية وهناك مواقع كثيرة بإمكان الباحث ان يجد فيها إعلانات لبيع هذه الخلايا وحتى توزيعها من حيث الجنس والعرق والديانة والتعليم الجامعي وغيرها وهذا لم يعد يندرج تحت عنوان الفكاهة السوداء، فهناك العديد من المواقع التي تعرض بيع بويضات وحيوانات منوية من خلال كاتالوجات تشرح مميزات صاحبها أو صاحبتها مثل اللون والطول والدين ومعدل الذكاء والجامعة التي تخرج منها والصفات البدنية الأخرى وعادة ما تتناسب الأسعار المطلوبة مع جودة الصفات المتوفرة.
لا شك أن علم الجينات، تشخيصاً وعلاجاً، قد بدأ فعلا بتغيير وجه الطب من خلال التشخيص المبكر والوقاية من بعض الأمراض الوراثية، وحتى علاج بعضها مبكرا، لكن تسرع بعض العلماء والمؤسسات البحثية والتنافس الشديد بينهم لنيل قصب السبق والسعي لجني المال في ظل غياب الضوابط الأخلاقية والقانونية وعدم الإحاطة التامة بالآثار الجانبية لهذه التقنية على المدى البعيد سيؤدي حتماً إلى ما لا تُحمد عقباه.