أردوغان في طريقه للرحيل

نتائج الانتخابات التركية تشير بوضوح إلى تراجع حضور وشعبية اردوغان السياسية والحزب الحاكم "العدالة والتنمية". أيام اردوغان السياسية الزاهية تبدو قد ولت، فاستمراره السياسي بدأ مرحلة العد العكسي. لم تشفع لاردوغان كل خطاباته العاطفية الشعبوية المؤثرة، ولا لعبه على أوتار تثير الشجون؛ لقد أطاح الأداء الاقتصادي بهذه الشعبية وتبين أن الشعبوية التي لا تطعم خبزا، ولا تأتي بإنجازات يلمسها المواطن والناخب، ما هي إلا إبر تسكين لا طائل منها. اضافة اعلان
معاناة الاقتصاد التركي بتراجع معدلات النمو على نحو كبير، وارتفاع التضخم بمعدلات انعكست على مستويات المعيشة كان السبب الأساسي لنتائج الانتخابات. هذا ما جعل اردوغان وحزبه يواصلون الليل بالنهار من اجل النهوض بالاقتصاد مرة اخرى لكن دون نتائج تذكر.
التراجع الاقتصادي التركي مرشح للسوء أكثر بسبب العقوبات الأميركية على إيران التي هي المزود الاساسي للنفط لتركيا. بوادر مواجهة اخرى تلوح بالافق بين تركيا والولايات المتحدة على خلفية صفقة نظام صواريخ S-400 الروسية التي قد تقف عائقا لشراء مقاتلات أميركية من قبل تركيا وقد تتبع بعقوبات اقتصادية أميركية على تركيا.
نتائج الانتخابات التركية تذكير لكل دول المنطقة بضرورة الانتباه للاوضاع الاقتصادية ومستوى المعيشة للناس، وأن أية اولويات اخرى تكون ثانوية عندما يتعلق الأمر بمعيشة الناس ومستوى رفاههم الاقتصادي. هو تذكير أيضا أن التعاون الاقليمي لا بد أن يعلي من شأن التعاون الاقتصادي وانعاش التنمية في المجتمعات لا أن تبقى الدول حبيسة اجندات التعاون السياسية والأمنية فحسب.
رحيل اردوغان بالمجمل خبر سار لعديد من الدول العربية في المنطقة، فالرجل دخل بعديد من المنافسات والمواجهات والتدخلات بشؤون جيرانه لم يكن له أي حق بدخولها، وقد حاول فرض خطابه الذي تجاوز على سيادة الدول واغضبها. والأخطر أنه بتقديمه لنفسه أنه مناصر للحركات الاسلامية في الاقليم قد اضرها ضررا شديدا فسارع من اعلان بعض الدول لهذه الحركات انها منظمات ارهابية، وذاتيا أخّر وأبطأ من عقلنة خطابها السياسي وترشيده وهو ما يعد السبب الأساسي بتراجع أدوارها السياسية والمجتمعية وتوجس الانظمة الرسمية منها. في اقليم كالشرق الاوسط ونظرا للبيئة السياسية والامنية الحساسة السائدة، لا يمكن لأي دولة أن تقبل من تنظيم أو دولة اخرى أن تتبنى خطابا سياسيا عابرا للحدود ففي ذلك مس بالسيادة والامن ويعيد للاذهان فترات عدم استقرار عاشتها كثير من الدول بسبب تسامحها مع الخطاب السياسي العابر للحدود.
تركيا دولة مهمة للاقليم اقتصاديا وسكانيا، وهي علمانية إلى حد كبير، في اقليم يسوده كثير من الثيولوجيا المتقولة على الدين، لذلك فيمكن لها أن تكون مصدرا لكثير من الاستقرار والتطور على مستوى الاقليم إن اشتبكت بإيجابية وبما يراعي سيادة الدول وظروفها المختلفة.