أزمات..!

أزمة السير في حد ذاتها شيء يضغط على الأعصاب. وما عليك الآن سوى أن تمر بالشوارع التي ينشئون فيها مسار "الباص السريع" لتكتشف أن أي اختناقات سير سابقة كانت مزاحاً، مقارنة. حرفياً، سوف تستغرقك نفس المسافة التي كنتَ تقطعها في ربع ساعة أكثر من ساعة كاملة الآن. وإذا فكرتَ في طرق بديلة محتملة، فسوف تجد أن غيرك سبقك إليها أيضاً وازدحمت بدورها. ولا يبدو من وتيرة العمل في مناطق الإنشاءات أنه سينتهي في وقت قريب. بطبيعة الحال، لا بد أن ينطوي أي مشروع إنشائي كبير من نوع "الباص السريع" على مضايقات، وهو يتطلب من الناس التحلي بالصبر، على أساس أن النتيجة ستجب المقدمات. لكنَّ هناك الكثير من الأمور التي يمكن فعلها لتجعل الأمور أسهل إلى أن يصبح المشروع ناجزا. وهي في الحقيقة أشياء ينبغي أن تكون في المتناول، ويعبر غيابها عن نوع من الفوضى والاستهانة. لعل من أولى البديهيات لدى العمل في طرق رئيسة كثيفة الحركة ولوقت طويل نسبياً، هو توفير تحويلات مناسبة ومخدومة لتخفيف الأثر على المستخدمين. ويمكن التفكير، مثلاً، في جعل الجزء العامل البديل من الطريق لائقا قدر الإمكان، بتخطيط الإسفلت وترتيب الحواجز الإسمنتية والاهتمام بتجنيب السائقين والمارة المفاجآت والحوادث، بوضع عاكسات واضحة وكثيرة وتحسين الإنارة وما شابه. لكن الذي يمر بهذه الطرق الآن، سيجد أربع سيارات تتزاحم متجاورة في مساحة يجب أن تتسع لثلاث سيارات، ومن دون خطوط، يبقى التقدير متروكاً للأفراد بطريقة تزيد الحوادث وتشبه كثيراً الضرب بالمرافق والتدافع بالأكتاف. ولأن العمل في الطريق كثير التغيُّر، فإنك قد تغادر في الصباح وتعود في الليل لتجد جغرافية الطريق وقد تغيرت كُليا –كما يحدث في شارع الجامعة الأردنية. ومع ضعف الإنارة المعهود الذي تضاعف، وغياب العاكسات الكافية والخطوط، لا يصعب أن يفاجئك الطريق بما يؤذيك. كما أن المشهد البصري أصبح بشعا للغاية وكأنك تمرّ بخرابة. وكان الله في عون المشاة المضطرين إلى عبور الشوارع العريضة المليئة بالحواجز والعوائق. بالإضافة إلى هدر الوقت والتوتير والفوضى، ثمة أزمة أخطر من أزمة السير، والتي تظهر في هذه الأماكن: أزمة الأخلاق. فمع كل الشكاوى القديمة من سلوك بعض السواقين على الطريق، لن تجد تعبيراً عن ضعف الأخلاقيات أوضح مما ستجد عندما يُحشر هؤلاء مع غيرهم في أماكن الإنشاءات. وكأنما لا يكفيك الطابور الطويل من السيارات التي أمامك وخلفك، والذي بالكاد يتحرك، حتى يأتيك أناس يتجاوزونك عن شمالك بعكس السير، فيغلقون الطريق على القادمين من الاتجاه الآخر. والهدف؟ أن يسبقوك ويأخذوا دورك ويسخروا منك ومن التزامك. وللأسف، ليس هؤلاء واحدا أو اثنين، وإنما بالعشرات –حرفيا-. وجرِّب أن تضيء "الغماز" لتدخل مسربا عندما يضيق الطريق فجأة، وسترى أن قلة قليلة هم الذين سيفسحون لك مجالاً للعبور -ولو لثانية واحدة. وكأنك لست شريكاً في الطريق ولا من يحزنون، وإنما أنتَ منافس -أو حتى عدوّ لا يريدون التنازل له أو معاملته بأي كياسة أو مودة. وبذلك تصبح أماكن الإنشاءات –بهؤلاء الناس وهذه المواصفات- وصفة للمشاجرات، والحوادث، وشد الأعصاب. هذه بعض المواقف المتراكبة التي تعرضها مقاطع "الباص السريع": أزمة التخطيط والتنفيذ التي لا تأخذ كثيراً وقت المواطن وسلامته وصبره بكثير من الاعتبار؛ وأزمة الأخلاق التي تجعل المواقف الصعبة أصعب. وسيفعل القائمون على الإنشاءات خيراً إن هم اختصروا وقت الإنجاز، كما يفعلون في الدول الأخرى، في مشروع تعثر سابقاً وما يزال يبدو بطيئاً؛ وإن هم فكروا في جعل الطرق البديلة منظمة ومخدومة أكثر بطريقة تحترم مستخدميها؛ وإن هم ضبطوا المخالفين وهواة التدافع والتجاوز على مواطنيهم بالمزيد من الرقابة والضبط. لم يكن احترام الوقت من التقاليد المعروفة في هذه الأنحاء. وربما تكون أهداف الحافلات السريعة هي العناية بوقت المتنقلين وراحتهم. ولذلك، لا بأس بالشروف في التعبير عن احترام الوقت وراحة الناس أثناء التنفيذ، سواء بالتحويلات المبتكرة التي لا تجعل ربع الساعة خمسة أرباع، أو بسرعة الإنشاء وإنهاء مسار الحافلات أولاً بأول وعلى مراحل بحيث تقل مناطق الأزمات وعرضها المعلن، سواء في آليات التنفيذ واللوجستيات، أو في الأخلاق.اضافة اعلان