أزمة الدراما والفنانين في الأردن

تعاني الدراما الأردنية في الفترة الأخيرة أزمة كساد وتراجع في الإنتاج، ينعكس بطبيعة الحال على الفنانين والحركة الفنية بعامة، وقطاع العاملين في الإنتاج الفني. وبالطبع، فإن الحركة الثقافية الناشئة عن الإنتاج الفني مصابة هي أيضا بالركود والخواء.

لا يكاد المراقب يتذكر عملا دراميا أردنيا (في مضمونه)، باستثناء ربما مسلسل "سلطانة" المستمد من رواية غالب هلسا، ومن الغريب العجيب أن التلفزيون الأردني لم يبث هذا العمل. وقبل ذلك بسنوات حُوّلت رواية طاهر العدوان "وجه الزمان" إلى عمل درامي. والسبب المباشر بطبيعة الحال لتوقف الدراما الأردنية هو أنها أعمال لن يمول إنتاجها مؤسسة غير أردنية، فالمؤسسات الخليجية هي الممول الأساسي للإنتاج تحتاج إلى أعمال تاريخية أو بدوية، وليس هناك ما يدفعها لاختيار عمل أردني مستمد من البيئة الاجتماعية الأردنية وباللهجة الأردنية الدارجة. ولا يمكن إنتاج أعمال أردنية إلا بتمويل أردني رسمي، التلفزيون الأردني أو وزارة الثقافة، لأن مثل هذا العمل لن يسترد تكلفته الباهظة بالنشر والإعلان إلا إذا عُرض على التلفزيون الأردني.

ولكن الأعمال التاريخية والبدوية التي كانت تبثها المحطات التلفزيونية الخليجية وتنتجها شركات أردنية للإنتاج انحسرت انحسارا كبيرا يقترب من التوقف، ويكاد يكون الإنتاج الفني الأردني متوقفا اليوم، أو يتحرك بوتيرة لا تكفي لاستيعاب النهضة الفنية التي حدثت من قبل وقدمت للمشاهد الأردني والعربي عددا كبيرا من الفنانين والمبدعين. ويعاني الفنان الأردني اليوم من إعراض ونكران محزن ومؤسف، فالمؤسسات الرسمية المفترض أنها منوط بها رعاية وتطوير الحركة الفنية والثقافية تسلك في ذلك وكأنها مؤسسات غير أردنية! والمؤسسات غير الأردنية أيضا لا تتعامل مع الفنانين الأردنيين إلا عندما تكون الحركة الفنية الرسمية والخاصة مزدهرة، وتلقى رعاية مادية وأدبية. ويشكو العاملون في الإنتاج من عدم تعاون المؤسسات الحكومية معهم، وهو تعاون ضروري ولا يمكن من دونه نجاح العمل وربما قيامه.

اضافة اعلان

ما معنى أن تكون الأعمال الروائية والإبداعية الأردنية عاجزة عن التحول إلى عمل فني تلفزيوني أو سينمائي؟ وما معنى أن المشاهد الأردني لا يرى على الشاشة عملا تلفزيونيا يعبر عن البيئة الاجتماعية والثقافية والمعيشية الأردنية؟ وما معنى ألا يكون للمشاهد الأردني نجوم وفنانون مبدعون أردنيون؟ سيعود ذلك بطبيعة الحال على الحياة الثقافية والاجتماعية، فالأعمال الفنية ترقى بالحياة والسلوك، وتمنح الحياة ثراء روحيا ومعاني جميلة. وفي المقابل، فإن هذا الغياب للدراما الأردنية والفنان الأردني يُفقد المشاهد الصلة الروحية والفكرية بتراثه وثقافته، ويربطه بتراث فني وثقافي ومصادر وأساليب حياة غريبة عليه أو مختلفة، وتتزاحم أمامه الأعمال من غير مشاركة أو منافسة. هذا الغياب المفزع والكبير لحلقة في سلسلة الحياة والتقدم ينعكس بطبيعة الحال على منظومة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فالثقافة تمنح دافعا للانتماء والمشاركة وزيادة الإنتاج وتحسين الحياة، وربما يكون عمل درامي جميل ومؤثر قادرا على التأثير إيجابيا في الناس والمجتمعات أكثر بكثير من المدارس والجامعات والمؤسسات الإعلامية، ليس باعتباره بديلا لها بالطبع، ولكن بقدرته على العمل في مجالات لا تصل إليها.

[email protected]