أزمة سدود أم فشل إدارة؟

نخطئ بحق أنفسنا، وبلدنا، إذا استغرقنا في سجالات أزماتنا المتتالية، وتعاملنا معها - كما نفعل الآن- بمنطق العرض" بالقطعة"، أو الحل بالتأجيل وتشكيل اللجان، أو التغطية عليها بتوزيع الاتهامات والمسؤوليات، نخطئ أكثر إذا تصورنا أن "بلع" المجتمع لهذه الأزمات يعفينا من مهمة " هضمها"، ومن نفاد صبر الناس على تحملها.اضافة اعلان
بصراحة، أزمتنا الحقيقية ليست فقط أزمة طبابة تراجعت، وسدود جفت، وأسماك نفقت بالملايين، وإنما أزمة إدارة عامة تعطلت عجلاتها، وحكومات متعاقبة استقالت من واجباتها، وفشلت في ترتيب أولوياتها المفترض أن تكون أولوياتنا، أزمة مسؤولين انشغلوا بالتفاصيل، وتخبطوا باتخاذ القرارات، ثم هربوا ليضعوا اللوم على المجتمع تارة، وعلى قلة الموارد المالية تارة أخرى، حتى أننا عشنا وسمعنا من يلوم الطقس ويتهمه بانحباس المطر.
يكفي أن ندقق بكارثة السدود التي تفاجأنا بها (هل تفاجأنا بها حقا؟!) لنكتشف ما أشرت اليه سلفا، فمن بين 14 سدا لم يبق لدينا الا عدة سدود مخزونها أقل من 5 ٪ من المخزون الكلي، وأكبر سد ( الملك طلال) اقترب من الجفاف، تسبب ذلك بضياع ثروة سمكية تقدر بـ6 ملايين سمكة، نحتاج لسنوات طويلة حتى نعيدها، والأخطر تدمير نظام بيئي كان لسدي الوالة والموجب فضل في الحفاظ عليه، إضافة الي أن جفاف سد الملك طلال يعني شطب نحو ثلثي الوحدات الزراعية في وادي الأردن، ناهيك عن آثاره الاجتماعية.
في ظل هذا الواقع الذي يداهمنا الآن، انبرى أحد وزراء المياه السابقين، قبل شهر، ليدافع عن قراره بإسالة نحو 800 ألف متر مكعب من المياه، بذريعة استباق "تسونامي" إثر احتمال انهيار سد الوالة (تم إسالة نحو 3 ملايين متر مكعب على مرحلتين)، لنكتشف أن قرار الوزير استند الى استشارة خبيرين، أحدهما نمساوي لم ير السد الا في الصورة، والثاني ألماني غير متخصص في السدود، على الرغم من اعتراض اللجنة الفنية والخبراء الأردنيين على قرار الإسالة.
ثمة ما هو أسوأ من ذلك، فعلى مدى الأعوام المنصرفة، غاب عن أجندة الحكومات ملف المياه تماما، وكأن بلدنا من أغني بلدان العالم بالموارد المائية، حيث ترقد في أدراج وزارة المياه عشرات المشاريع المائية المعطلة بقيمة تبلغ نحو 600 مليون دينار، وحيث عجزت الوزارة عن تفعيل إجراءات السيطرة على الضخ الجائر، وسرقة المياه الجوفية، وحفر الآبار غير المرخصة (هل تذكرون تصريحات وزير مياه أسبق حول خمسة أشخاص سرقوا نحو 8 ملايين متر مكعب ولم يجرؤ على محاسبتهم أحد؟)، وحيث مشروع النافل الوطني الذي ما يزال يراوح مكانه منذ العام 2011.
السؤل: من يتحمل مسؤولية هذه الكارثة المائية؟ منذ العام 2018 تقلب على وزارة المياه 6 وزراء، بمعدل وزير كل ستة أشهر، ومع كل وزير تهبط استراتيجية وتقلع أخرى، والنتيجة أن أحدا لم يسأل ولم يحاسب، بل إننا لم نسمع من أي مسؤول اعترافا بالخطأ أو التقصير، فكل طرف يتهم الآخر، فيما الناس تدفع ثمن فواتير الجفاف من أمنها المائي والغذائي، والزراعي والاجتماعي أيضا.
أزمة المياه والسدود صورة مصغرة لأزمات عديدة تراكمت: الصحة والتعليم والمرور والاقتصاد ..الخ، وهي ليست قدرا من السماء، أو ضريبة ندفعها للجغرافيا والتاريخ، أو مؤامرة حيكت ضدنا، بل نتيجة لفشلنا في إدارة مواردنا الطبيعية والبشرية على حد سواء، ونتيجة سوء اختياراتنا لمن يتولى مواقع الوظيفة العامة بمؤسساتنا، ونتيجة لغياب ترتيب أولوياتنا والتخطيط المدروس لما نحتاجه من مشروعات، وكل ذلك حصاد ما فعلناه بأنفسنا، وما نزال مصرين عليه حتى الآن.