أزمة سياسات لا سياسة

هل ثمة مخرج سياسي للأزمة الاقتصادية التي تواجهنا حاليا؟ الجواب بنعم يستند على خطاب نظري وتنظيري ولا يقدم دليلا مقنعا بوجود برامج بديلة خارج الصندوق. الأزمة في الجوهر اقتصادية نجمت عن تفاعل ظروف داخلية وخارجية شديدة التعقيد، تراكمت على مدار سنوات طويلة، وبلغت ذروتها في الأعوام الأخيرة جراء الظروف الإقليمية من حولنا. الحل ليس سياسيا بالمعنى النظري، بل في مراجعة السياسات التي تحكم عمل القطاعات المعنية. منذ سنوات سابقة خلصنا إلى استنتاج قاطع بأن الدولة لم تعد المشغل الرئيسي، وأن القطاع الخاص هو محرك العملية الاقتصادية والتنموية، وشرعنا في معالجات جذرية للتشريعات الناظمة والاستراتيجيات التي تنظم العلاقة بين القطاعين العام والخاص، لكننا في كل مرة كنا نقف في منتصف الطريق أو نتعثر في التطبيق، ونخضع لمساومات قوى تقليدية لا تريد التخلي عن مصادر نفوذها. قبل نحو عشر سنوات رد مجلس النواب مشروع قانون لإنشاء كليات مهنية وتقنية، وظل التعليم الجامعي يسير على نفس المنوال المدمر. ومؤخرا لم تتمكن حكومة الرزاز من تمرير تشريع في مجلس النواب لدمج مؤسسات معنية بالتدريب المهني لمواكبة متطلبات استراتيجية تنمية الموارد البشرية. وقبل ذلك ومن بعد أخفقت الحكومات المتعاقبة في تبني سياسات فعالة لمعالجة تدفق العمالة الوافدة، وإحلال العمالة الوطنية، حتى صار عدد العمال الأجانب في السوق الأردني يفوق عدد الأردنيين. وحتى وقت قريب لم نفلح في إقرار سياسة ناجزة لتشجيع الاستثمار وتسهيل مهمة المستثمرين، وتقلبنا بين عدة نماذج إدارية وبرامج تنفيذية، وظل الانطباع السائد عن الأردن بأنه بلد طارد للاستثمارات الأجنبية. في كل نشاط استثماري أو شراكة مع القطاع الخاص أقدم عليها صندوق الاستثمارات التابع للضمان الاجتماعي، لاحقناه بالاتهامات وأشبعنا المؤسسة تشكيكا بتبذير أموال الأردنيين. معظم المسؤولين الذين تعاقبوا على وزارات وملفات اقتصادية، غير مقتنعين أبدا بنجاعة السياسات المتبعة، ويعتقدون أن كل ما يقال عن شراكة بين القطاعين مجرد حبر على ورق. لم ندخر جهدا في محاربة فكرة المناطق الصناعية المؤهلة، واليوم نسَير "الجاهات" لإقناع المستثمرين الأجانب في الكرك والطفيلة والشوبك للإبقاء على مصانعهم مفتوحة، لا بل ونرجوهم فتح فروع استثمارية في عديد المناطق لتشغيل المتعطلين عن العمل. لقد تطلب منا الأمر 20 سنة لنقتنع بجدوى هذه الاستثمارات وأثرها الإيجابي بخلق وظائف للأردنيين. خطة الحكومة الحالية لتوفير 30 ألف فرصة عمل إضافية خلال عامين، تعتمد حصرا على القطاع الخاص، ولا أحد سواه. ماذا قدمنا للقطاعات المستهدفة من تسهيلات كي تتمكن الحكومة من الوفاء بوعودها نهاية العام 2019؟ في العقل الباطني لكثيرين منا نظرة للمستثمر الأجنبي بوصفه مستعمرا، يريد نهب الأرض والموارد، ولهذا تجدنا نميل بشدة لمعارضة تقديم أراضي الدولة لإقامة مشاريع استثمارية أو تملك الأجانب لعقارات أو شركات أردنية. قصة الشراكة لبناء مطار الملكة علياء مثال صارخ على هذه العقلية، وكذلك الاستثمارات السياحية في العقبة، وحكاية بيع أراضي ميناء العقبة القديم. دعونا من السياسة، فأزمتنا تكمن في إصلاح السياسات المتعلقة بالتعليم والتشغيل والاستثمار.اضافة اعلان