أزمة مواقف

 

لم يعد ممكنا تصور بناية أو مركز تجاري من غير مواقف، واصبحت مواقف السيارات معيارا أساسيا لتقييم المشروعات والأعمال والدعوات أيضا، فلا يمكن الذهاب إلى مبنى أو محل تجاري او المشاركة في دعوة أو برنامج إذا لم تكن مواقف السيارات متاحة، ولكن الكثير من المباني الحكومية والتجارية أيضا لم يعد الوقوف بجوارها أو قريبا منها للزوار والمراجعين ممكنا، وبعض المؤسسات الحكومية حولت حياة الناس المجاورين لها إلى عذاب ومعاناة بسبب سلوك "المواقف" لدى المراجعين، في الوقت الذي يصر موظفو ومستخدمو الدوائر الحكومية على منع المراجعين من إيقاف سياراتهم في مساحات واماكن واسعة، هي حرم عطوفة/ معالي المسؤول.

اضافة اعلان

الحركة في الشوارع أيضا تحولت إلى أزمات خانقة ليس فقط بسبب كثرة السيارات، ولكن الأزمة كثيرا ما تكون بسبب وقوف السيارات أو محاولتها الوقوف أو الخروج من موقف "سابق"، وفي شارع المدينة تؤدي عملية شراء رغيف شاورما إلى أزمة خانقة تمتد إلى الجامعة والمستشفى من جهة وإلى شارع مكة ودوار اليوبيل من الجهة الأخرى، وبالطبع فإنه لا يمكن حل المسألة إلا بسلوك اجتماعي معقول، فيمتنع السادة المواطنون عن الوقوف المزدوج والممنوع، ولا بأس بالوقوف بعيدا عن المكان المقصود أو عدم الذهاب إليه ابتداء والبحث عن مكان بديل تتوافر فيه أسواق السيارات، ويحتاج المواطنون أن يكتشفوا أن هناك غيرهم في الطريق، ثمة سلوك نفسي محير يعبر عنه الوقوف في وسط الشارع وطريقة ركوب السيارة والنزول منها والإسراع والإبطاء والاستدارة والاتجاه يمينا أو شمالا، كلها تعكس غيبوبة عن العالم المحيط واستغراقا في الذات وعدم القدرة على فهم المشهد المحيط إلا أنه عالم خاص مثل الطفل الذي يعتقد أن العالم المحيط به هو ملكه وحده لا شريك له، وهذه أزمة لا يمكن أن تحلها دائرة السير ولا أمانة عمان أو وزارة الأشغال، لن يحلها إلا مراكز الصحة النفسية، أو أن يعالج الناس أنفسهم بأنفسهم، أن يقتنعوا بأن الدنيا متسعة وأوسع بكثير من الطرق والمواقف والمولات، ومتسعة زمنيا أيضا وتحتمل انتظارا لدقائق أو ثوان قليلة، وأنه حتى بان كي مون إن كان ينتظر أحدهم أو على موعد معه فسوف يتسامح في دقائق قليلة، وأن المصالح والأعمال والأسواق أيضا لن تتضرر أبدا بقدر معقول من التسامح، الأزمة فقط هي أزمة تسامح، وليس  غير ذلك، ولو امتلكنا الحد الأدني من التسامح لحلت أزمة المواقف والاختناقات المرورية، وحتى المخالفات المرورية تحتاج إلى تسامح وأن تكون محكومة بسؤال كيف تحل أزمة المرور وليس كيف تجبى المخالفات من المواطنين، فذلك يزيد الأزمة اختناقا.

ثمة تشابه بين الرجال والمواقف (وهذا ليس اكتشافي أنا)، هو أن الجيد من المواقف يكون دائما مشغولا أو محجوزا للمعوقين!