أفكار ومواقف

أزمة يتوجب الخروج منها

موفق ملكاوي

لا بد من الاتفاق على أننا نعيش أزمة سياسية واجتماعية لها تعبيراتها على جميع الصعد، خصوصا ما يتعلق منها بأطر التوافق على الهوية الوطنية الجامعة، وأولويات الإصلاح وقياداته، ومن يقود الحوار إليه.

مفردة “أزمة” قد تكون “تلطيفية” بالنظر إلى الواقع الذي نعيشه اليوم، فما نختبره هو ليس أقل من استعصاء كامل فقدت فيه الجماهير ثقتها بالطبقات الحاكمة، وبالدولة ومؤسساتها، وانسحبت نحو سلبية خطيرة باتت تؤثر في الإنتاج بشكل راسخ ضمن معادلة فقدت قيمتها المتأصلة في “الحقوق والواجبات” بما يرسخ تبادلية المنافع بين الدولة والمواطنة.

خلال السنوات الأخيرة، فقدت الدولة الأردنية جاذبيتها بالنسبة للمواطن، فقد اختبر المجتمع العديد من الهزات التي بات تراكمها يشكل مؤشرا على “الرخاوة” وعدم الجدية في حل المشكلات، ما أدى إلى تضخمها، وفي النهاية بات المجتمع هو من يدفع أثمانها الباهظة.

اللافت في جميع الأزمات، هو ما يمكن تسميته “الانقطاع” بين الحكومات وأجهزة الدولة من جهة، وبين المجتمع من الجهة الأخرى، فكأنما كل طرف منهما يعيش في واد مختلف، ما يؤشر إلى عدم إشراك حقيقي للمواطن في الحكم، خصوصا مع تسيد النظرة المجتمعية السوداوية تجاه مجلس النواب.

ليس الحالي فقط، بل المجالس جميعها، والتي دخلت في “لعبة توازنات” فقدت معها دورها الرقابي الحقيقي، ناهيك عن فقدانها لدورها التشريعي في سن القوانين التي تخدم المجتمع والمصلحة الوطنية.

الحكومات، كذلك، مارست دورا مضللا، خصوصا في ملفات الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وكانت جزءا من المشكلة، وليس العكس، وأسهمت مع أجهزة الدولة الأخرى في التضييق على الحريات بشكل أدى إلى خنق.

ليس فقط الأصوات المعارضة، بل وأيضا أصوات المعتدلين الذين يطرحون رؤى موضوعية قابلة للأخذ بها وتطبيقها، ومن الممكن أن تنقلنا خطوة إلى الأمام من المكان الذي علقنا به طويلا.

اليوم، نحن نعيش استعصاء سياسيا حقيقيا، نرى معه توقف جميع الخطط التي يمكن أن تشكل لنا رؤية لتجاوز الأزمة، ونرى الملفات متراكمة من دون أن نعلم كيف نقرر ومن أين نبدأ.

والأهم أن المواطن بات يشعر بأنه مستبعد عن قصد من عملية المشاركة السياسية الحقيقية التي تفترض ممارسته الرقابة والمحاسبة من خلال مجلس النواب، فما هو موجود صورة مشوهة عن المجلس الحقيقي، كما أن الفساد والتخبط وسوء الإدارة، أدت إلى تحميل المواطن آثارا اقتصادية ضخمة أثّرت في نوعية معيشته وجودة حياته.

“الإصلاح” ليس مفردة مطاطة أو بغير ملامح معروفة، فهو عملية شاملة تأخذ أبعادها في ملفات السياسة والاقتصاد والاجتماع، ولا يمكن أن يتم تجزيئها أو تفضيل بعد على آخر. وإذا كانت اللجنة الملكية قد حصرت عملها في ملفات محدودة جدا، فمن باب التفاؤل أن نعتبر أن هذا الأمر ما هو إلا بداية، وأن الملفات الأخرى لا بد أن يأتي دورها سريعا لكي نحقق الإصلاح المنشود.

في شهر آب من العام الماضي، أي قبل عام كامل، وفي أعقاب الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات النيابية، كتبت في هذه الزاوية مستغربا “هل نعيش أجواء انتخابات؟!”.

قلت وقتها إنني أستغرب الهمة الكبيرة التي تتجه بها الدولة نحو إجراء الانتخابات، رغم تركها ملفات خطيرة مفتوحة على مصراعيها، وأولها الانقسام المجتمعي الحاد على خلفية قضية مجلس نقابة المعلمين، وهي القضية التي أفضت تطوراتها إلى توقيف أعضاء المجلس، وكف يد الأعضاء وأعضاء الهيئة المركزية، وهيئات الفروع وإداراتها، ووقف النقابة عن العمل مدة عامين.

الملف، كما نعلم جميعنا ما يزال مفتوحا، بل وأضيف إليه اعتقالات “عشوائية” لناشطين كثيرين، بعضهم كانت “جريمته” أنه عبر عن رأيه في قضية ما على وسائل التواصل الاجتماعي. فهل نحن جادون اليوم بالتخطيط لعملية إصلاح وطني؟!

الإصلاح لا بد أن يبدأ من مصالحة شاملة ننهي فيها جميع الملفات العالقة التي يمكن أن تسبب أي نوع من التأزيم، أو تلك التي يشعر أصحابها بالظلم. من غير ذلك، سيكون الإصلاح ناقصا، وعرضة للتعطل في أي لحظة.

المقال السابق للكاتب

الخلط في ثنائية الحرية والديمقراطية

للمزيد من مقالات الكاتب

https://alghad.com/author/m-malkawi/

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock