أساسات ضعيفة

معاريف

بقلم: زلمان شوفال

اضافة اعلان

3/12/2019

"هل زافوفين" هو فيلم هوليوودي مجنون من العام 1941 لا يحصل فيه اي شيء منطقي وطبيعي – ومضحك حتى الدموع. السياسة في اسرائيل في 2019 هي ايضا فيلم مجنون لا يحصل فيه اي شيء منطقي وطبيعي – ولكنه باعث على الاكتئاب حتى الدموع. وجه الشبه بين الامرين هو أن الصغية الهوليوودية تجاهلت الحرب التي كانت تدور رحاها في اوروبا وكادت تغرق الولايات المتحدة ايضا – بينما الصيغة الاسرائيلية تتجاهل التهديدات المتعاظمة من عدة اتجاهات، ولا سيما من ايران.
بعد حملتين انتخابيتين ليس لاسرائيل حكومة دائمة ونحن في الطريق الى جولة ثالثة. الاسباب معروفة: الحكومة الضيقة عرقلها أفيغدور ليبرمان وحكومة الوحيدة يفشلها بيني غانتس. في الانتخابات الاخيرة وقف امام الناخب "تجمعان" – واحد بقيادة بنيامين نتنياهو، وآخر بقيادة غانتس. والنتيجة تتحدث من تلقاء نفسها: التجمع برئاسة نتنياهو فاز بـ 55 مقعدا، أزرق أبيض فاز بـ 33 مقعدا، وحتى عندما تضاف اليه احزاب اليسار الصغيرة، فما يزال يدور الحديث عن 44 نائبا فقط. تجمع اليمين هو شرعي اكثر ايضا، لأن فيه توافق في المواضيع السياسية والاقتصادية الاساسية، وعناصره تعهدوا مسبقا لناخبيهم بأنهم يؤيدون بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء – بينما في التجمع الثاني توجد فوارق واضحة في المواضيع السياسية، والقاسم المشترك الوحيد فيه هو الهوس لتنحية نتنياهو.
كان ينبغي لنتائج الانتخابات ان تؤدي الى تشكيل حكومة مستقرة لأربع سنوات، ولكن في الواقع الضاغط القائم، سواء ذاك الخارجي، ام هذا الداخلي، ثمة افضلية لحكومة وحدة بالتناوب مثلما اقترح الرئيس روبين ريفلين، برئاسة نتنياهو، على الاقل في السنتين الاوليين، وان كان بسبب كفاءاته وتجاربه السياسية. ولكن قادة ازرق أبيض يواصلون مناورات مانعة نهايتها واضحة: صندوق الاقتراع. في صالح غانتس يقال انه حافظ على الطابع الرسمي حين رفض الاستماع الى النصائح الكاذبة من بعض من شركائه لاقامة حكومة تستند الى تأييد القائمة المشتركة، والتي احد عناصرها مؤيد للارهاب، وكل جوهرها يتعارض مع الرؤيا الصهيونية.
لا ينبغي أن ننفي ان الورطة القانونية التي علق فيها رئيس الوزراء تخلق عوائق امام اقامة حكومة مستقرة، ورجال ازرق ابيض على ما يبدو يأملون في أن يمنحهم جهاز القضاء الجائزة التي لم ينالوها في الانتخابات. كما انه من غير المفاجئ ان يكون اليسار فرح لإمكانية ان يستبدل نتنياهو في رئاسة الليكود، إذ ان الامر كان سيحسن فرصه للفوز.
تحدثت مؤخرا مع بعض رجال القانون الكبار، بمن فيهم من يعملون في الخدمة العامة، والذين لم يخفوا رأيهم في أن شيئا ما عليل في سلوك النيابة العامة والشرطة في قضية رئيس الوزراء. وبالتالي فإن ثقة الجمهور في جهاز القضاء تضررت مؤخرا. ان ثقة الجمهور هي اولا وقبل كل شيء معامل لسلوك الجهاز القضائي نفسه وفقا للقواعد والمبادئ التي تناسب دوره حسب القانون وليس التسلل الى مجالات اخرى. من واجبه إذن ان ينظر الى الداخل وان يجري مراجعة عميقة لنفسه. غير قليل من الناس يعتقدون مثلا بأن الاتهامات ضد نتنياهو تتراوح بين غير المتماسكة وغير المبررة، ولكن توجد بالطبع ايضا آراء اخرى. على اي حال، في الوضع الحالي من الافضل ألا يصل الموضوع على الاطلاق الى البحث القضائي وان يحسم، اذا كان ينبغي أن يحسم على الاطلاق، بعد أن يعتزل رئيس الوزراء من منصبه نهائيا، سواء كنتيجة لقرار شخصي ام في اعقاب تغييرات في الساحة السياسية.
لقد قرر آباء الدستور الاميركي بحكمتهم أن عزل الرئيس هو موضوع للمنظومة السياسية المنتخبة، اي الكونغرس، وليس المحكمة في اي حال من الاحوال. في 1993، في سياق محاولة عزل بيل كلينتون، صرح قاضي العليا وليم رنكويست: "جهاز القضاء، والمحكمة العليا بخاصة، لم ينتخبا كي يقوما بأي دور في عزل الرئيس". مباديء مشابهة توجه أيضا خطى فرنسا وبريطانيا – سواء لاعتبارات النجاعة وتواصل الحكم أم اعتبارات فصل السلطات. اما في اسرائيل فهذه المبادئ فآخذة في التشوش مؤخرا واذا لم يوضع لذلك حد، ستتضعضع اكثر فاكثر اساسات الديمقراطية والدستورية للدولة.