أسهم الحكومة في الشركات

سلامة الدرعاوي

رغم كُلّ عمليات الخصخصة التي حدثت في البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية إلا أن الحكومة ما زالت تمتلك حصصا مؤثرة في الكثير الشركات.اضافة اعلان
هناك مساهمات رسمية في 36 شركة، بينما تمتلك الحكومة 14 شركة ملكية كاملة تدار اليوم عبر شركة إدارة الاستثمارات الحكومية، التي استطاعت الحكومة بنجاح أن تستقطب كفاءة أردنية في الخارج لها باع طويل في عالم الأعمال والتمويل وتكليفها بإدارتها على أسس اقتصادية استثمارية جديدة تحقق المنفعة والغاية الأساسية التي تنعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني.
على مدى العقود الماضيّة، ومنذ تأسيس الدولة، كانت الحكومات على الدوام مُشاركا رئيسيا في التنميّة الاقتصاديّة والتشغيل، ودورها كان أكبر من القطاع الخاص، بِحُكم محدوديّة الأخير من حيث أنشطته وإنتاجه.
ومع تطور الاقتصاد وتطوره وتشعبه أخذ القطاع الخاص ينمو أكثر وأكثر وبات له دور قياديّ في الاقتصاد الوطنيّ، إلا أن القطاع العام بقي المُسيطر على الغالبية في الناتج المحليّ الإجمالي وبنسبة بلغت 56 بالمائة من إجمالي الناتج.
لكن مِلكيّات الحكومة في الأصول الاقتصاديّة أخذت بالتراجع لصالح القطاع الخاص تحت مُسميات مُختلفة، في حين بدا دورها فقط ينحصر في التوظيف، وهو ما فاقم مُشكلة القطاع العالم الراهنة، لكن كيف تراجعت مِلكيّات الحكومة في الشركات خاصة والاقتصاد عامة؟
ضمن برنامج التخاصيّة الذي نُفذ خلال العقود الماضية وفي ظل برامج التصحيح مع صندوق النقد الدوليّ باعت الحكومات جزءا كبيرا من أسهمها في 42 شركة في مختلف القطاعات، وأبقت حصصا مؤثرة لها في كبريات الشركات خاصة التعدينيّة منها مثل الفوسفات والبوتاس والبالغة 26 بالمائة من أسهم كُلّ شركة منهما.
المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ ساهمت هي الأخرى بزيادة حصتها في شركات كبرى أيضاً خاصة في القطاع الماليّ وعلى رأسها المصارف التي تلعب مِلكيّة الضمان في سبعة بنوك دوراً مهما في الحفاظ على هويات العمل المصرفيّ الأردنيّ.
في المحصلة في الملكيات الأردنيّة نجد أن هُناك نسبا لا بأس بها في أسهم شركات إستراتيجيّة تدر ربحاً عاليّاً وتجني الحكومة من أعمال تلك الشركات رسوما كبيرة إضافة إلى الضرائب.
ما يقلق في بعض الأحيان هو قيام بعض المسؤولين بالدفع تجاه تخلّص الدولة من كُلّ الأسهم التي تملكها بحجة أنه لا يجوز في اقتصاد السوق أن يكون للحكومات مِلكيّات، حيث يقتصر دورها على الرقابة والإشراف وتنظيم السوق.
السياسات الاقتصاديّة التي تحرم على الدولة ملكيّة الأصول والأدوات الاستثماريّة هي من صنيعة أفكار مأزومة من قبل أشخاص أرادوا إفقار الدولة وإضعاف دخلها، حتى تبقى أسيرة المنح والمساعدات التي في غالبها تكون مُبطنة بأجندات سياسيّة.
جميع الدول الفقيرة والغنية، والاشتراكيّة والرأسماليّة، تسعى بكُلّ الوسائل إلى تعظيم أصولها واستثماراتها وتنويع مصادر دخلها سواء أكانت علنيّة أم سريّة، فلماذا يحرم على الأردن تنميّة أصوله وموارده أو حتى الحفاظ على ما هو موجود حالياً.
في العام 2004 وبعد أن أنهت الحكومة خصخصة قطاع الاتصالات بنجاح وأدخلت شريكا إستراتيجيّاً عالميّاً بنسبة 41 بالمائة، وفتح القطاع على مصراعيه أمام الاستثمارات الأجنبيّة ونما القطاع نُمُوّاً كبيراً، أصرت الحكومة حينها على مواصلة بيع أسهمها في الشركة الناجحة حتى آخر سهم لها، وبأسعار بخسة للغاية، في تصرف لا يُفهم منه أي شيء، سوى أن الحكومة أكملت التخاصيّة في هذا القطاع ليس من أجل رفع الإنتاجية وإدخال التكنولوجيّا الحديثة، بل فقط من أجل جني المال وسدّ نفقات حكوميّة لا مبرر لها على الإطلاق وليس لها علاقة في الأولويّات التنمويّة.
بعضهم يخشى اليوم من تكرار هذا المشهد في ظل تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبيّة إلى المملكة بسبب الظروف السياسيّة الخارجيّة والداخليّة غير المواتية للاستثمار الراهن في بيئة الأعمال المحليّة.
هذه التخوفات لها ما يبررها في ظل ما يدور في بعض كواليس الغرف المغلقة بشأن الاستثمار.
والاستثمار لا يكون ببيع الأصول والأسهم في الشركات الناجحة، وإنّما يكون بتأسيس مشاريع جديدة، تولّد قيمة مضافة عالية على الاقتصاد الوطنيّ من حيث تشغيل الأردنيين وزيادة تأهيلهم ورفع الصادرات وإدخال تكنولوجيا جديدة وزيادة جلب العملات الصعبة، أما نقل المِلكيّات من مالك إلى آخر فهذا يمارسه التجار وليس المستثمرون.
من حق الأردنيين حكومة وشعباً أن يتباهوا بملكيّاتهم واستثماراتهم العامة، وأن يشعروا بفخر تجاه مواردهم، وما يجري الآن من سياسات لا تضع خطوطا حمرا على أصول بناها الأردنيون منذ عقود بعرقهم وكدهم.