أشخاص يتحلون بالإيجابية ويصنعون لحظات الفرح بـ"العطلة الكورونية"

ديمة محبوبة

عمان- تلك التجربة الصعبة التي اختبرها الأشخاص خلال أزمة فيروس كورونا وإجراءات الحظر المنزلي، لم تكن سهلة، بل غيرت الكثير من المفاهيم والنظرة تجاه الحياة، وحتى في طبيعة العلاقات، فهنالك من بقي أسيرا للخوف، وتملكته نظرة سوداوية تجاه كل شيء حوله ولا يجد مخرجا أمام ما يعيشه، في حين كان هنالك من أوجد سعادته وسط هذا التعب، فلم تكن الأيام الماضية بالنسبة له عادية، بل حاول استثمارها باكتشاف ذاته وصنع سعادته والنظر بروح إيجابية بعيدا عن التشاؤم، لأنه يدرك أن لا شيء سيتغير إن بقي حبيسا للألم والحزن.اضافة اعلان
ومع استمرار أزمة فيروس كورونا المستجد، بدأت الروح الإيجابية تتقلص وتتلاشى يوما بعد آخر لدى العديد من الأشخاص، خصوصا مع قرارات فرض الحظر، والتي جاءت للحفاظ على الصحة، وتجنب ازدياد حالات الإصابات جراء الاختلاط أو عدم مراعاة إجراءات السلامة.
لكن ووسط كل ذلك التعب النفسي والضجر والخوف من القادم، بقي أشخاص مجبولون بالإيجابية والتعايش والتأقلم مع هذه الأزمة، لا يستطيعون أن يروا الجزء الفارغ من الكوب، فدائما نظرتهم للجزء الممتلئ، ويرون أن الحياة قصيرة، ويتوجب عيشها بكافة تفاصيلها وبروح جميلة سعيدة.
ومع كل ما يحصل، هم دائما يجدون الفرح ضمن مساحاتهم وما هو متوفر أمامهم، لا يشتكون من تغير الأحوال، بل يرون أن الإنسان قادر على أن يجد مساحة من الأمل مع من حوله مهما كانت الظروف متعبة.
العشرينية سارة عمر أحد هؤلاء الأشحاص، تقول: “لم أجد من المنطقي أن أبتعد عن صديقاتي وأصدقائي لأجل غير مسمى، فأنا أعيش اليوم أجمل أيام حياتي، وأكثرها شبابا، ولن أقضي هذه الفترة بالعزلة”، فارتأت بأن تقوم كل يوم بـ”بث لايف” عبر “انستغرام” لنقاش أمر معين، ويتخلله الحديث عن الحياة قبل كورونا، وخلالها وبعد انقضاء هذه الأزمة، خصوصا لفئة الشباب، وكيف استطاعوا التأقلم مع هذا الظرف الطارئ العالمي.
وتؤكد أنه وفي بداية الأمر ومن خلال “اللايف”، وجدت أنها تستطيع أن تجتمع بالكثير من أصدقائها بشكل يومي، والحديث وتبادل الأفكار، ومع طول الأيام باتت تقوم بالزيارات الالكترونية من خلال استضافات أحد الأصدقاء، لنقل التجارب والحكايات وبث المرح، ما جعل الأمر أكثر سلاسة، حتى أنها تنتظر وقت “اللايف” بفارغ الصبر للالتقاء مع الآخرين.
ويرى عبد الله أنه لا ضير من الإجراءات المفروضة حقا للسيطرة على المرض وانتشار الفيروس، فالصحة هي أولوية وبعدها يمكن تعويض ما فات، ولأنه شخص رياضي ومحب للأنشطة، قرر أن يسير يوميا مدة ساعة، وقام بشراء دراجة هوائية عبر الاونلاين لركوبها، لقضاء حاجاته وحاجات عائلته، وبذات الوقت وسيلة لممارسة الرياضة، والترويح عن النفس. ومن الأشخاص الإيجابيين أيضا علياء التي قررت خلال “العطلة الكورونية”، بحسب تسميتها، للأزمة التي نمر بها، أن تنظم وقتها من جديد وتبدأ ممارسة الهوايات والأنشطة التي تفضلها.
فارتأت أن تقسم يومها خلال فترة الحظر والحجر المنزلي، لتبدأ يومها في الصباح الباكر بممارسة الرياضة في “روف” المنزل، ثم تعد لنفسها فطورا شهيا مع فنجان قهوة، ثم تتجه لتنظيف المنزل وإعادة ترتيبه.
والتفتت علياء لهوايتها في “حب الزراعة والعناية بالنباتات”، مبينة أنها لم تتمكن قبل الحظر من الاهتمام بالنباتات لضيق الوقت، لكن مع الحظر، وتصفح موقع “يوتيوب” وجدت أنها تستطيع ممارسة هوايتها في الزراعة، وتحويل “الروف” لمكان يعج بالخضار والروائح العطرة.
وتتابع علياء يومها بتحضير وجبة عشاء “مميزة” لنفسها، فهي تقيم وحيدة بالعاصمة عمان بحسب عملها، بينما تسكن عائلتها في الجنوب، وعليه تتفنن بإعداد الوجبات وفق مواصفات “مطابخ عالمية” متنوعة، لتستمتع بتجربة جديدة، ثم تنهي يومها بقراءة كتاب، إما ورقي “متوفر في بيتها” أو تبحث عن آخر في المكاتب الالكترونية، وتقوم بتحميلة وتصفحه.
وتقول “إن مشاهدة الأخبار وتتبع التفاصيل تؤرق البشر، ورغم قسوة ما يحدث، والبعد عن الحياة الطبيعية، إلا أن النفسية الإيجابية هي التي تساعد الشخص على تخطي كل ما هو سيئ، وعليه وجدت أن أفضل طريقة للتعامل مع الحجر المنزلي، وأيام الحظر أن تقضيه مع من تحبه وتفتقده وإن كان ذلك الكترونيا، على أمل أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه”.
وحول ذلك، يرى اختصاصي علم النفس د.موسى مطارنة أن الشعور الإيجابي الذي يتحلى به بعض الأفراد، خصوصا في الظروف الصعبة هو الذي يساعد على التغلب على ضرر التوتر والعصبية وتبعاتها.
ويؤكد أن في كل أزمة هناك مستفيد وخاسر، وهذا الأمر متعارف عليه، ونفس الشيء ينطبق على الناس، هناك من يرى الأشياء الجيدة في قلب الأزمات على عكس الذين يعانون من مشكلات نفسية إضافية.
وللمساعدة على بث روح التفاؤل دائما، هنالك سؤال بسيط مع بعض التفكير، بحسب مطارنة، وهو “بالكآبة والنظرة السوداوية ورمي كل شيء سيئ على الظروف.. ماذا ستغير؟ وكيف ستفيد الشخص في تخطي الأزمة والحجر والضغط النفسي والصحي والاقتصادي، الجواب: لا، بل ستصبح الأمور أكثر سوءا”.
وهنا ينصح مطارنة الجميع بمحاولة إيجاد اللحظات البسيطة التي تجعلهم يشعرون بالامتنان.
ويوضح أيضا أن الاتصال والتحدث مع الأشخاص الايجابيين يعود بالأثر الإيجابي الحقيقي للشخص المتلقي، والتفكير بالوقت الذي وهبه فيروس كورونا من خلال تقضية الوقت في البيوت مع الأحباب، وتقوية المناعة من خلال التمتع بأجواء الطبيعة بالسير وممارسة رياضة المشي.