أشياء جميلة لكنها لا تكفي

تنشأ وتتشكل السعادة والقيم والفضائل الاجتماعية والأخلاقية كالثقة والاتقان والكرم والشجاعة والعطاء والتضامن والمحبة من تفاعل الناس مع حياتهم ومواردهم، فهي محصلة تفاعل المشاعر والمصالح والوجدان والأفكار، ولا تهبط من الخارج، ولا تحلّ في الأفراد والجماعات بمجهود أو عمل وجداني معزول عن الحياة وحاجاتها ورغباتها وآلامها وتطلعاتها، ولا هي مستقلة عن الإنسان بما هو مزيج معقد من الروح والمشاعر والاحتياجات والرغبات والأهواء والمصالح.اضافة اعلان
الشعور بالسعادة والرضا ليس تمرينا للأسف ولكنه وعي حقيقي متصل بالواقع، فأسوأ انواع الرضا والسعادة هي القائمة على الانفصال عن الواقع والوهم، إنها أسوأ من الشقاء، صحيح أن ثمة شقاء مرده إلى عدم القدرة على الرضا وادراك جوانب السعادة ولكن ذلك لا يجوز أن يؤدي إلى تغييب الوعي بالأزمات والمشكلات والاستغراق في الوهم اللذيذ.
الحب مكون ضروري للسعادة لكنه لا يكفي للحصول عليها، ولا يحل جميع المشكلات، لكنه يقلل من قسوة الحياة ووحشتها. ويساعد على تجاوز الأزمات ومواجهة مصاعب الحياة وتعويض الخسائر. والصداقة ضرورة جميلة للحياة، لكنها ليست وسيلة للتقدم المهني والشخصي بل قد يفسدها تحويلها إلى وسيلة للوصول والمنفعة. والزواج ضروري لاستمرار الحياة وللمشاركة في أعبائها، لكنه لا يحلّ مشكلاتها بل يضيف إليها مشكلات واعباء جديدة. الحب والصداقة والزواج تزيد تعاسة الإنسان إذا حُملت فوق طاقتها أو استخدمت لغير أهدافها المنشأة والأساسية.
إذا كانت مشكلتك تحضير الطعام والطهو والجلي والغسيل وتنظيف البيت فأنت تحتاج أن تعلم نفسك ذلك أو تشغل بأجر من يخدمك ولا تحتاج لأجل ذلك إلى زوج. وإذا كنت تعاني من الوحدة يجب أن تتأكد أولا انك قادر على العطاء كما الأخذ. وان تمنح لشريكك الأنس والدفاع عنه مثلما تحصل على ذلك منه. وإذا كنت تحب أن تكون جزءا من فريق يدعمك فيجب أيضا أن تدعم فريقك وتكون مفيدا له.
ربما تكون الوحدة أفضل الخيارات وأسهلها وخاصة اذا لم تكن قادرا على العطاء والتحمل، أو إذا كنت غير كفء سواء كان عدم التكافؤ بسبب تفوقك أو ضعفك أو طبيعتك الشخصية وميلك للفردية والعزلة. فإذا كنت متفوقا أو متقدما يجب أن تعطي أكثر من غيرك، وأن تقبل بقدر من التضحية والعطاء للفريق بدلا من تفوقك، وإذا كنت أقل شأنا أو أضعف يجب أن تعوض ضعفك بما يجعل شريكك متضامنا مع الفريق والجماعة المحيطة بك أو تنتمي إليها. أسوأ ما تقع فيه الشراكة أن تكون موضعا للشفقة أو عدم الاحترام أو أن تكون بلا عذر عبئا على أحد أو الفريق أو الجماعة.
وإذا كنت تبحث عن المال أو المصالح والأعمال فلا تحمل الشراكة الشخصية بما هي الحب و أو الصداقة و أو الزواج هذه المسؤوليات أو الأهداف. طبعا ليس خطأ ولا عيبا أنك تسعى إلى مصالحك ومكاسبك ولكن العيب في الوسيلة غير المناسبة.
وإذا كنت تعاني من اكتئاب أو أزمات نفسية فالأفضل أن تستشير الطبيب أو المرشد النفسي ولا تخفِ مرضك عن المقربين إليك. فالمرض ليس عيبا، وقد يساعدك أفضل من لو لم يكن يعلم. بل ربما يتخلى عنك وينفر منك اذا اكتشف انك تخفي عنه مرضك وفي الوقت نفسه تريد أن تكون زوجا أو صديقا أو حبيبا أو شريكا أو عضوا في جماعة، وإذا عرفت عن أزمة كبيرة لدى شريكك فلا تحمل نفسك فوق طاقتها، فإذا كنت راغبا أو قادرا على المساعدة من غير منّ ولا أذى فلا تتردد، وان لم تكن ففراق بمعروف من غير خصومة ولا فضائح.