أطفال "التخلف العقلي": شموع تضيئها العناية ويخمدها الخوف

يتطلب من الأسرة تقديم الرعاية الممكنة لأطفالها المعوقين لأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع - (أرشيفية)
يتطلب من الأسرة تقديم الرعاية الممكنة لأطفالها المعوقين لأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع - (أرشيفية)

ديما محبوبه

عمان –  من المتوارث اجتماعيا أن ولادة طفل مصاب بإعاقة في الأسرة، يسبب لها صدمة يصعب امتصاصها، في بداية الأمر، وكثيرا ما يفقد الأهل أعصابهم، خصوصا وهم يرون انتظارهم المفعم بالآمال تسعة أشهر كاملة، يتجسد بطفل ذابل ضعيف، وربما تفاقم حزنهم أكثر، إذا كانت إعاقة طفلهم في الدماغ، ما يجعله يندرج ضمن فئة من يطلق عليهم "المتخلفون عقليا".
وثمة أسر كثيرة تجهل كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات، ومنها من يخجل من وجود ذي إعاقة بينهم، متكئين في ذلك، على نظرة مجتمع لا ترحم، وكأن الأمر بيد الأسرة ذاتها.
وفي المقابل، هناك أسر تواجه هذا الأمر بصبر شديد، فيقدمون كل الرعاية الممكنة لأطفالهم المعوقين، بوصفهم جزءا لا يتجزأ من الأسرة والمجتمع، معا.
والوضع الأخير هو ما ينسحب على حال المهندسة بلسم، التي وهبها الله طفلة تشع نورا بابتسامتها، فأسمتها "نور"، وعمرها الآن تسعة أعوام، لكنها تعاني من "متلازمة داون".
وعن فصول قصتها، تقول "ابنتي متميزة بمتلازمة داون"، مضيفة أن قناعتها لم تكن على هذا الغرار، عند ولادتها.
"تلقينا صدمة كبيرة حين علمنا أنها مصابة بهذا المرض، وأحسست أنا ووالدها بمشاعر مختلطة من الحزن والألم العميق، والإنكار والغضب والشفقة والخوف من المستقبل، مشاعر كثيرة يصعب وصفها بالكلمات"، وفق بلسم.
وتضيف أنها أحبت "نور" كثيرا عندما أحضرتها الممرضة لها، فوجدتها ملاكا بريئا جميلا، ولم تكن تعرف "نور" لماذا استقبلها والداها بدموع غزيرة وحزن عميق، وحب شديد.
وتشير عمرو إلى أنها كانت هي وزوجها يجهلان الكثير عن هذا المرض، فتعاهدا على مساعدتها من لحظة رؤيتهما لها، فعملا على تثقيف نفسيهما، وعلى تدخل سريع لتقديم علاج مبكر، لها، إضافة إلى إخضاعها لعلاج طبيعي، من نطق وتعليم للمهارات الأساسية في الحياة، فضلا عن إدخالها إلى مدرسة خاصة تقدم لها خدمات، وتعليما وفق مناهج وزارة التربية والتعليم، ومهارات أخرى عديدة.
غير أن مثل هذا التصميم لا ينطبق على أسرة أخرى، تتألف من خمسة أفراد، وتقطن الغور الجنوبي، ولديها طفل يعاني من تخلف عقلي.
هذه الأسرة أهملت طفلها كثيرا، ليس نتيجة لعدم حبها له، بل لأنها كانت تجهل أساليب الرعاية لمثل هذه الحالات.
لكن الأمر تغير بعض الشيء، حين وجدت هذه الأسرة، أناسا متطوعين، همهم الوحيد مساعدة هذه الفئات تحديدا، ويتبعون لـ"برنامج التأهيل المجتمعي للأغوار الجنوبية".
من هذه النقطة تغير الحال، وأصبح بوسع هذا الطفل تولي احتياجاته الشخصية بنفسه، حيث تؤكد ربة الأسرة بأن هذا التدخل، عاد بالنفع على ابنهم وأصبح وضعه أفضل من السابق، كما تعلمت الأسرة بعض الأساسيات التي ينبغي عليها مزاولتها من أجله.
أما عن نظرة المجتمع، فيبين اختصاصي علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية د.حسين خزاعي، أن بالإمكان العمل على تخفيف حدة هذه النظرة، والعمل على تقليل عدائية بعض عناصر هذه الفئة الموجودة في المجتمع، من خلال دمجها، ابتداء من الأطفال المصابين، وانتقالا إلى الأسرة نفسها.
ويؤكد أن هناك بعض المدارس تقدم لهذه الفئة خدمات ونشاطات تساعدها، وتوفر لها فرصا أكبر في الحياة، وكذلك الاعتماد على ذاتها اقتصاديا واجتماعيا.
ولكون القاعدة الأساسية في مساعدة هذه الفئات، تنطلق من الأسرة، تشدد التربوية رولا أبو بكر، أن على الأسرة، بسائر أفرادها، بداية، أن تستوعب حقيقة أن طفلها الجديد مصاب بتخلف عقلي، وأنه بحاجة إلى رعاية شديدة، ومن الأفضل أن يحصل أخوة الطفل وأخواته على هذه المعرفة من داخل الأسرة، سواء من الأب أو الأم، بدلا من أن تصل المعلومة إلى أسماعهم عن طريق آخرين ربما ينقلونها بشيء من السخرية والاستهزاء.
ومن المعروف أن هناك أسرا قد لا تعلم بإصابة طفلها بتخلف عقلي إلا بعد بلوغه ستة أعوام، حيث يبين اختصاصي صعوبات التعلم والتربية الخاصة أشرف الشوابكة، أن الحالة الوحيدة التي من الممكن كشفها مبكرا، تتمثل بالمولود المصاب بـ"متلازمة داون".
والشوابكة يؤكد، أيضا، أن معظم الأسر تكتشف التخلف العقلي لأبنائها في حال عدم وجود أي أعراض حركية تظهر عليه، وكذلك من خلال تأخره التعليمي، نتيجة شرود ذهنه، وعجزه عن التركيز.
وبعض الأهالي، كما يؤكد الشوابكة، يعتقدون أن ابنهم "كسول" في مدرسته، من خلال تنبيهات المدرسين له، من دون أي نتيجة، مشيرا إلى أنه من الضروري، في مثل هذه الحالة، أن يعرض الطفل على مختص في مجال صعوبات التعلم، للعمل على إخضاعه لاختبارات عديدة لكشف وجود المرض من عدمه.
وفي حال كان الطفل، بالفعل، يعاني من "تخلف عقلي بدرجاته المتفاوتة، بين البسيط والشديد"، فيجب على الأهالي، حسب الشوابكة، أن يتقبلوا الطفل كما هو، وليس كما يحبون أن يكون.
وعن أسباب الإعاقة العقلية، يبين الشوابكة أنه قد يصيب المولود إما نتيجة سقوطه على رأسه، من دون أن تتم المعالجة الفورية له، أو في حالات نقص الأكسجين عنه وهو جنين في بطن أمه، أو جراء خلل في كروموسومات الجنين، فيؤدي ذلك إلى إصابته بـ"متلازمة داون".
وحول أعراض المرض، يلفت الشوابكة إلى بعض السمات، كالقفز الزائد، وكثرة التشتت، وعدم إتقان القراءة، والعجز عن التركيز، وضعف الانتباه.
كما يبين أن هناك أطفالا بحاجة إلى علاج طبيعي، وإلى اختصاصي نطق وسمع أيضا، ويجب على الأهل أن يعرفوا بأن هناك أطفالا يعانون من تخلف عقلي تمت متابعتهم على نحو متميز، فأصبحوا يتقنون القراءة الأساسية، وكتابة بعض الحروف والكلمات البسيطة.
ويلفت إلى أن من هؤلاء الأشخاص من تعلم الرسم، وأبدع فيه، كما تعلموا كيف يرتدون ملابسهم، ويدخلون الحمام بأنفسهم، لكن هذا الأمر بحاجة إلى العمل الكثير، وإلى حب حقيقي لهذا المولود.
الشوابكة يؤكد، أيضا، أن التعلم يكون من خلال برامج علاجية خاصة، بحسب الفئة والمستوى المرضي، والعمل على تكرار ما تعلمه الطفل، وإعداد نماذج ملموسة من المعجون مثلا لتعليمه بعض الأساسيات.
كما ينصح الشوابكة وأبو بكر بالعمل على التركيز على نقاط القوة لدى الطفل، والانطلاق منها للتغلب على نقاط الضعف، والتأكد أن من الممكن لهذا الطفل أن يتحسن على نحو ملحوظ، عبر خطوات بسيطة، كتعليم النظافة، وإتقان التكلم، بشكل بسيط، من خلال الاهتمام الزائد، وإخضاعه لبرامج علاجية مخصصة.
ويؤكدان، أيضا، أن الطفل ذا الإعاقة العقلية عادة ما يكون سريع النسيان، ولذا يجب إجراء تغذية راجعه للمعلومات التي يتدرب عليها، والابتعاد عن التعليقات السلبية، فهو بحاجة إلى صبر كبير، وإلى عدم إشعاره بأنه طفل فاشل، وتجنب مقارنته بإخوانه الأسوياء من حيث القدرات.
كما ينصح الشوابكة أيضا بضرورة إشراك الطفل المتخلف عقليا في الزيارات والرحلات، مع أسرته، حتى يكتسب سلوكيات اجتماعية صحيحة، وعدم إعارة نظرات الآخرين اهتماما، لأنها نظرات قد تحمل، في البداية، ملامح الشفقة، لكنها ستتحول، بعد ذلك، إلى نظرات إعجاب وتقدير.
ومن المفيد، كذلك، شغل وقت الطفل بالمهارات المفيدة، لأن وقت الفراغ يسبب كثيرا من المشاكل، والعمل على استغلال أكثر من حاسة عند تعليم الطفل المعوق، وكلما كان "التدخل مبكرا"، حسب الشوابكة مع الطفل المتخلف عقليا، كانت هناك فرص أكبر للتحسن.

اضافة اعلان

[email protected]