أطفال يدمنون المخدرات دون ملجأ

Untitled-1-318
Untitled-1-318

* منار حافظ

عمان - "كنت في الثانية عشرة من عمري حين قدم قريب لي عمره 37 عاما سيجارة تحتوي مادة الحشيش الصناعي (الجوكر) على أنها سيجارة عادية عندما أبديت رغبتي بالتدخين"، يقول سامر، مستذكرا بداية انزلاقه إلى عالم المخدرات والإدمان على يد قريبه المحبوس حاليا بتهمة ترويج وحيازة المخدرات.
"أصابتني تشنجات في المرة الأولى التي دخنتها، لكنني اعتدت تدخين "الجوكر" شيئا فشيئا، ثم جربت مواد أخرى مثل الحشيش الطبيعي وحبوب الكبتاجون (حبوب منشطة تؤدي للإدمان)"، يضيف سامر.
سامر الذي يعاني من ضعف في عضلة القلب، تسبب له تعاطي المخدرات بدخول المستشفى مرتين، رغم ذلك لم يقلع، حتى وصل به الحال إلى الحبس 3 أشهر قضاها في إدارة دار تربية وتأهيل عمان.
بدأ ظهور مخدر (الجوكر) في الأردن العام 2011، وأدرج العام 2015 على قائمة العقاقير الخطرة ضمن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الأردني كمادة مخدرة يعاقب عليها القانون، كما أظهرت الدراسة الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي تحت عنوان "مكافحة المخدرات في الأردن: إطار استراتيجي للسياسات العامة" أن "الجوكر" انتشر بسرعة بين أوساط الشباب، وخاصة الفئة العمرية من (12-25) عاما.
أطلق على مخدر الجوكر هذا الاسم في الأوساط الشعبية نسبة إلى شخصية الجوكر الشريرة التي ظهرت في أفلام وقصص مصورة، ويعد من المخدرات الاصطناعية التي تدخل في تركيبها عدة مواد كيميائية تسبب هلوسات ومضاعفات شديدة تصل إلى الموت، ويباع بسعر أقل من الحشيش الطبيعي الذي ينتج من صمغ بعض أنواع نبات القنب، بحسب قسم التوعية والتثقيف في إدارة مكافحة المخدرات الأردنية.
الندم عقب الإدمان
"أنا نادم، ضربت أمي في آخر مرة بعد تناولي أنواعا متعددة من المخدرات، فلم أعد أميز أحدا، كما جرحت يدي وكسرت أثاث المنزل، فاضطر والدي لإبلاغ الشرطة".
بداية، لم تتنبه عائلة سامر إلى تعاطيه المخدرات، إذ كان يحاول إخفاء ذلك بالاجتهاد في دراسته، "كنت موهوبا وكرمتني وزارة الثقافة لفوزي في مسابقة للتصوير"، يقول بندم، لكن الإدمان غير مسار حياته، فلم يقتصر تعامل سامر بالمخدرات على التعاطي، فقد لجأ للعمل في مجال البلاط أثناء العطل المدرسية لتوفير ثمن المخدرات، وبيعها لآخرين، لتحصيل مرابح أعلى تمكنه من تأمين حاجته من المواد المخدرة، كما يروي.
تعرف سامر على الأماكن والأشخاص الذين يبيعون هذه المواد، واكتسب منهم أساليب الإيقاع بالآخرين ليدمنوا المخدرات ويشترونها منه، قائلا "إذا أردنا أن يدمن أحد على المواد المخدرة وضعناها له في كأس الشاي دون أن يعلم".
بعد أن قضى سامر محكوميته في دار تربية وتأهيل عمان وخرج، قام والده الذي يعاني مرضا في كليتيه ببيع منزلهم في الرمثا، وانتقلوا إلى منزل آخر بعيدا عن الأشخاص الذين شاركوه في تعاطي وتوزيع المواد المخدرة.
يقول سامر "سأهتم بدراستي وبأهلي بعد أن تسببت المخدرات بعزلتي عنهم".
سامر ليس حالة فردية، ففي النصف الأول من العام الحالي بلغ عدد الأحداث (كلّ من لم يتمّ الثامنة عشرة من عمره) الموجودين في دور الأحداث بقضايا تعاطي وتوزيع وترويج مواد مخدرة 304 أحداث، وفق مدير مديرية الأحداث والأمن المجتمعي في وزارة التنمية الاجتماعية محمود الهروط.
واستنادا إلى قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 2016، فإنه يتم توقيف الحدث أو حكمه من قبل القضاء في أحد مراكز رعاية الأحداث في حال ضبطه في قضايا المخدرات، دون أن يستفيد من الأعذار المخففة كونه لم يتقدم للعلاج من تلقاء نفسه.
ويعزو الهروط توجه من تقل أعمارهم عن 18 عاما للسير في طريق المخدرات إلى سهولة الوصول للمواد المخدرة بسعر زهيد، بالإضافة إلى الأحكام المخففة على الأحداث، موضحا أن قانون الأحداث الأردني يميز أيضا بين الفتى والمراهق في الأحكام، حيث يعرف الفتى بأنه "من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره"، والأحكام الصادرة بحقه أشد من الصادرة بحق المراهق وهو "من أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة من عمره".
وتؤكد الأستاذة المساعدة في جامعة عمان الأهلية المختصة بعلم النفس الإكلينكي فداء أبو الخير أنّ مروجي المخدرات يستخدمون دائما طرقا جديدة للإيقاع بالأحداث، وفي ظل انتشار الموادّ المخدّرة بأسعار غير مرتفعة من السهل أن ينساقوا إلى الإدمان، موضحة أن الإدمان عبارة عن "حاجة مستمرة لمادة معينة والحاجة لزيادتها أحيانا في الجسم، وقد يلجأ البعض للإدمان هربا من مشكلة ما".
المخدرات طريق لجرائم أخطر
في دار تربية وتأهيل عمان، يقضي فادي (15 عاما) محكوميته في قضية قتل رجل داخل مكتبته في مدينة الزرقاء شرق عمان قبل عامين، بالاشتراك مع صديقه الذي كان يبلغ من العمر (19 عاما) وقت ارتكاب الجريمة.
باستغلال من صديقه، وتحت تأثير المخدرات والكحول، أقدم فادي على خنق الرجل بقطعة قماش، بينما قام صديقه بطعنه، وقد حكم الأخير بالسجن 25 عاماً، بينما حكم فادي بالسجن 10 أعوام.
بدأ فادي بتعاطي المخدرات وشرب الكحول صغيرا دون علم أسرته بعد تسربه من المدرسة في عمر الحادية عشرة، وكما يروي أنه خضع لرغبة صديقه الذي أراد قتل الرجل بشدة دون سبب مفهوم، إذ تناول الجوكر وحبوب الكبتاجون حتى يتمكن من ارتكاب الجريمة.
"لحظة القتل عالقة في بالي وأحاول نسيانها، النسيان أفضل حتى لا أخسر نفسي، أنا نادم وصمت 60 يوما كفارة قتل"، يقول فادي، مشيرا إلى أنه بدأ يرسم طريقا جديدا له، فتعلم مهنة الحلاقة في دار الأحداث، بعد أن تخلص من الإدمان.
وترى أبو الخير أن هناك عدة أسباب تدفع الأحداث إلى طريق المخدرات، أبرزها استغلال البعض لهم كأداة لتوزيع مواد مخدرة مقابل ثمن، أو دفعه للإدمان عليها لتوزيعها مقابل منحه مادة مخدرة، كما أن الفراغ وغياب الرقابة أو توفير الرعاية الأسرية، بالإضافة للجوء الأحداث للأجهزة الإلكترونية وشبكة الإنترنت، وتكوين صداقات دون رقابة واتخاذ قدوة سيئة يسهم في انجرارهم إلى عالم المخدرات.
وينطبق ذلك على حال كرم (15 عاماً)، الذي وجد نفسه معيلا لوالدته وثلاث أخوات بعد أن هجرهم والده وتهرب من نفقتهم، فاضطر كرم للعمل في محل تصليح السيارات بأجرة يومية لا تتجاوز 10 دنانير، وفي محيط عمله تعرف على ثلاثة أشخاص يتعاطون الجوكر، فجرب ذلك معهم حتى أصبح مدمناً.
يروي كرم بصوت فيه شيء من الخوف وبحزن "تعرفت على 3 في الحي أصبحوا أصدقائي كانوا يتعاطون الجوكر وتعلمت منهم وأصبحت مدمناً، وبعد ثلاثة أشهر من التعاطي ألقت الشرطة القبض عليّ"، يقول كرم الذي يمكث الآن في دار تربية وتأهيل عمان، لقضاء الحكم الصادر بحقه لمدة عام.
يظهر على وجه كرم الذي لا تبدو عليه علامات النضوج بعد، ندوب وجروح قديمة، قال إنها ناتجة عن سقوطه عن دراجة هوائية حين كان صغيرا.
وبحسب مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين جمال عناني فإن ضغوطات الأقران والتفكك الأسري وغياب الرقابة المدروسة على الأبناء كلها عوامل قد تدفع بالحدث لإدمان المخدرات، والتي تسببت بنحو 190 ألف حالة وفاة مبكرة حوال العالم سنوياً، وفقا لتقرير المخدرات العالمي الصادر العام 2017 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
ويضيف عناني أنّ الأطفال حتى سن 14 عاما قد يتعرضون لاضطرابات مسلكية قد تؤدي في حال عدم علاجها لتوجه الحدث لتعاطي مواد مخدرة.
وتظهر علامات الاضطرابات المسلكية بحسب عناني "في المراوغة والتحايل، أو الهروب من المنزل والنوم خارجه دون إذن الأهل، أو إشعال الحرائق أو الاعتداء على الحيوانات، حينها يجب معالجة الطفل وعرضه على طبيب ومعالج نفسي لتغيير سلوكياته، وفي حال إهمال علاج الاضطرابات السلوكية قد تتحول شخصية الطفل إلى شخصية سيكوباتية (تتلذذ بإيذاء الآخرين) أو شخصية حدية (يتلذذ بإيذاء نفسه)".
ويعد اضطراب الشخصية من أصعب الاضطرابات النفسية علاجا، وفقا لعناني، فالمصابون به يتوجهون للسلوكيات الخطرة دون مبالاة أو احتساب للعواقب، وليس لديهم شعور بالندم، كما يتلذذون بإيذاء الآخرين وبالذات الأهل.
يكشف التقرير الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة العام الماضي عن ارتفاع مستمر في جرائم المخدرات في الأردن "اتجار وحيازة وتعاطي"، إذ بلغ مجموع هذه الجرائم العام الماضي 18400 جريمة، في حين بلغت 14 ألف جريمة العام 2017.
وفي العام 2014 بلغ مجموع جرائم المخدرات 10 آلاف و592 جريمة، وفي 2015 بلغ 11 ألفا و62 جريمة، وارتفع في 2016 إلى 13 ألفا و621 جريمة، بحسب تقرير دائرة الإحصاءات العامة.
لا مراكز لعلاج الأطفال
بموجب الفقرة (و) من المادة (9) في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 2016 فإنه "لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو يدمن عليها إذا تقدم قبل أن يتم ضبطه من تلقاء نفسه، أو بوساطة أحد أقربائه إلى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لأي جهة رسمية، أو إلى إدارة مكافحة المخدرات، أو لجأ لأي مركز أمني طالبأ معالجته".
وينطبق ذلك على المدمنين من البالغين، والذين يجري تحويلهم إلى إحدى المصحات المتخصصة بمعالجة متعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أما الأحداث، فلا توجد أي مراكز متخصصة لمعالجتهم، إذ يقتصر العلاج في المركز الوطني لتأهيل المدمنين التابع لوزارة الصحة، ومركز علاج الإدمان التابع لإدارة مكافحة المخدرات، على البالغين الذين تزيد أعمارهم على 18 عاما.
ويوضح عناني أن المركز الوطني لتأهيل المدمنين يعالج الأحداث كمرضى خارجيين وتحت إشراف الوالدين أو ولي الأمر، إذ يوفر لهم علاجا خارجيا ويوقع الأهل على متابعته، ثم يراجعون المركز مرة كل أسبوع في أول شهر، وفي الشهر الثاني يراجعونه مرة كل أسبوعين، ثم مرة كل ثلاثة أسابيع في الشهر الثالث، وابتداء من الشهر الرابع يقومون بزيارة المركز شهريا للاطمئنان عليهم.
"كثير من ذوي الأحداث لا يستمرون بمتابعة علاج أبنائهم لعدم قدرتهم على السيطرة عليهم"، بحسب عناني، ما يزيد نسبة الانتكاسة بين الأحداث، أو عودتهم للتعاطي بعد مدة قصيرة من الإقلاع.
لا تتوفر إحصائية لدى المركز بعدد الأحداث الذين تم علاجهم خارجيا، لكن عدد الملفات الخارجية لديه وصلت (3321) ملفا خارجيا، تشمل نساء ورجالا وأحداثا، منذ تأسيس المركز العام 2001، بحسب عناني.
ويبين رئيس مركز علاج الإدمان يزن برماوي أن المركز يعالج فقط الذكور ممن تزيد أعمارهم عن 18 عاما، ولا يتم إدخال الأحداث للعلاج في المركز لاختلاف إدراكهم عن البالغين، وفقا لبرماوي الذي أكد أن المركز يقدم الاستشارة الطبية والأدوية اللازمة لعلاج الحدث في المنزل فقط.
في الأردن، هناك خمس دور للأحداث الذكور، تستقبل الذين تتراوح أعمارهم ما بين (12-16 عاما)، بالإضافة إلى دار واحدة للإناث، بحسب مدير دار تربية وتأهيل عمان عماد صهيبة.
ويوضح صهيبة أن الأحداث الذين يصلون للدار يخضعون لبرامج إرشادية ونفسية وتعليمية ودينية، مع توفير مشاغل لهم لتعلم المهن بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني، وفي الحالات التي يعاني فيها الحدث من أعراض انسحابية شديدة نتيجة التوقف عن تعاطي المادة المخدرة، يتم إرساله إلى المركز الوطني لتأهيل المدمنين للإشراف عليه بموجب اتفاقية.
ومن جهته، يقول الهروط إن وزارة التنمية الاجتماعية طالبت بإنشاء مركز لعلاج الأحداث، دون استجابة من وزارة الصحة، بينما يوضح عناني أن إنشاء مركز لعلاج الأحداث يحتاج إلى وقت، نظرا لضرورة تدريب كوادر متخصصة بالتعامل مع هذه الفئة العمرية، كما يتطلب الأمر توفير أطباء نفسيين وممرضين مختصين بالتعامل مع الأطفال، معتبراً أن إنشاء مركز متكامل للأحداث، تشرف وزارة الصحة على العلاج فيه، وتتولى وزارة التنمية الاجتماعية تنظيمه إداريا، هو من أولوليات اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات.
ونشر نظام صندوق مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في الجريدة الرسمية في آذار (مارس) الماضي، إذ يحدد النظام الموارد المالية للصندوق وأبرزها "نسبة 20 % من الغرامات المحكوم بها بموجب أحكام قانون المخدرات والمؤثرات العقلية".
وبحسب الدراسة الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن 340 جريمة حيازة وتعاطي مواد مخدرة و27 جريمة اتجار بالمخدرات العام 2018، ارتكبها طلبة في الأردن، ما يجعل الحاجة ملحة لإنشاء مركز متخصص بعلاج الأحداث وضمان عدم عودتهم للتعاطي من جديد.

اضافة اعلان

** أسماء الأحداث الواردة في التقرير مستعارة حفاظاً على خصوصيتهم.
*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان