أفول القاعدة في "بلاد الرافدين"

يبدو أن الإعلان الذي صدر من بغداد هذه المرّة كان صحيحا، فلم يصدر أي نفي من مصادر القاعدة ومواقعها على الانترنت أو من "دولة العراق الاسلامية"، لمقتل رئيسها "أبو عمر البغدادي" ونائبه أو وزير حربيته "أبو أيوب المصري". وحسب السلطات العراقية فإن تنظيم القاعدة في العراق يعيش أسبوعا أسود، وهو في أسوأ أوضاعه، وإن اعتقال "والي بغداد" لتنظيم القاعدة مناف الراوي، مكّن من الوصول إلى قادة آخرين واعتقال العشرات إضافة الى القضاء على زعيمي التنظيم.

اضافة اعلان

هناك أسباب قويّة للاعتقاد بأن هذه النجاحات الأخيرة للسلطات العراقية، تمثل ضربة قاصمة للقاعدة في العراق. وما كنّا سنعتقد ذلك في ظروف أخرى، لكن مع حالة الانحسار السياسي لخطّ الإرهاب القاعدي، فإن فقدان تلك القيادات لا يعوض، ويترك فراغا في وقت يعاني فيه التنظيم من تراجع سياسي عام، وفي هذه الظروف لا تنشأ قيادات جديدة مؤهلة تحظى بالثقة والالتفاف. ولو قتلت هذه القيادات في أزمنة أخرى لما توقعنا هذا الأثر الحاسم على التنظيم، فقد قتل الزرقاوي زعيم القاعدة بلا منازع في حينه، لكن القاعدة كانت ما تزال في ذروة نفوذها. والعراق يعيش أسوأ مراحل الاقتتال الطائفي والعملية السياسية تتعثر والسنّة يقاطعونها والمليشيات الشيعية ترد على التفجيرات الانتحارية بالخطف والتهجير والقتل على الهويّة. وفي تلك الظروف فبدل كل قيادي يقتل يصعد عشرة، أمّا الآن فتحت كل قيادي يقتل يهرب عشرة.

انحسار القاعدة في العراق بدأ منذ اللحظة التي بدأ فيها يتبلور وعي السنّة بحقيقة المعادلات التي تحيط بهم، وحقيقة القاعدة التي استلمت السلطة في بعض مناطقهم. رفض العملية السياسية وقتال الاميركان انتهى إلى ترجيح كفّة إيران وتغلغلها الشامل والخطير في العراق. وتسعير الحرب الطائفية، كما تفعل القاعدة، سيؤدي فقط إلى تمزيق العراق والقضاء على كيانه. وقد بدأ التحول بالصحوات واستلام العشائر وأهل كل منطقة لأمن منطقتهم، وطرد القاعدة منها، وانتهى بالمشاركة المكثفة في الانتخابات التي أعطت مردودا سياسيا مذهلا، في حين أصبح انسحاب القوات الأميركية مسألة وقت فقط. هكذا انسحب أربعة أخماس البساط من تحت أقدام القاعدة، وليس بعيدا أن أجهزة خارجية لعبت دورا في التفجيرات الأخيرة التي سبقت الانتخابات، وخصوصا أثناء الخلاف الخطير حول قانون الانتخابات، بهدف تعطيلها وعرقلة التحول السياسي الجاري، والاتجاه الواضح في المناخ العام لصالح الوطنية العراقية، وتجاوز التخندق الطائفي. وقد حاولت القاعدة استعادة حضورها بعد الانتخابات باستخدام أقصى طاقة ممكنة، وخصوصا دفع النساء لعمليات انتحارية والتوجه الى أهداف هامشية سهلة، مثل ضرب الكنائس، لكن ذلك لن يغيّر في المنحى العام الذي يؤذن بأفول القاعدة، ونهج الإرهاب الذي كلف العراقيين ثمنا تقشعر له الأبدان.

[email protected]