أفكار ومواقف

أميركا وإسرائيل والمتهافتون العرب

رغم علمنا بالانحياز السافر واللاأخلاقي لواشنطن إلى صف الدولة العنصرية الصهيونية المجرمة، إلا أن مجيء إدارة جديدة يمثلها جو بايدن وفريقه الديمقراطي جعلنا نتناسى وحشية أميركا نفسها، بعيدا عن الفروقات الحزبية التي لا تكاد تظهر حين التعامل مع جرائم إسرائيل تجاه أي أحد أو مكان في العالم.
لم يرد بايدن أن نقع في الخطأ، وأن نظل منتظرين من إدارته المنحازة أي بارقة أمل يمكن أن يتشبث بها طفل غزّيّ فقد أباه على مرأى من عينيه. بددت واشنطن أوهامنا ببساطة، حين كانت إدارته ترد على أسئلة الصحفيين لتقرر بقسوة: نعم، من حق تل أبيب الدفاع عن نفسها، إنها جملة مخادعة، فهي تمنح حق الدفاع للمعتدي الذي يمارس تطهيرا عرقيا واضحا تجاه العرب الفلسطينيين، وتمنعه عن الضحية الذي يفترض أنه الأولى بهذا الحق، خصوصا حين النظر إلى موازين القوى العسكرية والتسليحية والسياسية والدبلوماسية.
إن إدارة بايدن؛ الصهيوني الواضح، لا تريد أن يكون خطابها غير مفهوم في هذا السياق، لذلك تقرر أن من حق إسرائيل أن تعتدي على المدنيين الآمنين، وتشارك تل أبيب أفراحها بعرس الدم الذي تحييه في قطاع محاصر منذ قريب العقدين. هي تشارك بالحياد السلبي، وبواسطة عدم الضغط على الاحتلال، في تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من حي الشيخ جراح، وعندما تتصدى المقاومة لمخططيهما، سرعان ما ترفع في وجهها مشجب “الإرهاب”، وهو المصطلح الذي غدا أضحوكة لدى مراكز الدراسات بعد الانكشافات المذهلة التي ربطت واشنطن وتل أبيب بكثير من التيارات المتطرفة والإرهابية.
واشنطن تشارك بهمة عالية في “جهود” تهجير وإبادة الشعب الفلسطيني، كما اشتركت
بـ”إخلاص” كبير، قبل ذلك، بتقتيل وتشريد الشعب العراقي والسوري والليبي. أميركا البعيدة جغرافيا عنا، تأتي هي إلينا بجميع أسلحتها ومخططاتها واستراتيجياتها القذرة بدعاوى واهية هي حماية الأمن القومي الأميركي. إنهم لا يفعلون ذلك، بل يقوضون أمنهم، ويخلقون لهم أعداء كثيرين حول العالم، ويعرضون مصالحهم للخطر، وشعبهم للبغض. وبعدها يطرحون السؤال العبقري: “لماذا يكرهوننا؟”!!
نحن، ومنذ زمن بعيد، لم نعد نصدق واشنطن وسياساتها التي ظلت على الدوام إجرامية وعنصرية ضدنا. ولم نعد نطلب منها أي شيء، فهي انفصلت عن الواقع بعدما نسيت الشعوب العربية مستثمرة بحكام لا يأبهون بحال شعوبهم، واكتفت بذلك. ومع ذلك فنحن نؤمن وبشدة بأن واشنطن هي التي ستكون الخاسر الأكبر من هذا الضلال والتضليل، خصوصا مع إدارة مهزوزة من كثرة الزهو الذي تشعر به نتيجة مقارنتها مع إدارة سابقة مجنونة ومتطرفة. فهل في مقارنة كهذه ما يمكن أن يولد أي نسبة من الزهو؟!
وعودة إلى المنطقة وتجلياتها في ضوء صمود الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، فإن النظام الرسمي العربي يصحو اليوم على ضربة كبيرة موجهة ضده، وهو الذي اعتبر أن أكبر “إنجاز” له هو أنه استطاع شيطنة المقاومة الفلسطينية؛ وطنية أو إسلامية، عبر أساليب ومؤامرات عديدة، لم يترك فيها عدوا ولا حاقدا إلا واستعان به في سبيل ذلك.
نجاح النظام العربي في ذلك يتجلى اليوم بظهور ما يمكن تسميتها “الطحالب” التي تتصدر مشهدا بائسا، وتمنح لها الأولوية في الإعلام لكي تقول بعهر واضح: “فلسطين ليست قضيتي”!
على مر التاريخ، كان هناك دائما سماسرة وباعة وخائنون لأي قضية، مهما بلغت من قدسية وعدالة. اليوم لا قضية عادلة تسمو على فلسطين، لذلك لا يضيرها المتساقطون الذين لم يستطيعوا تبين مكان خطوتهم التالية.
المجد للشهداء وللمقاومة.. وفلسطين ستبقى دائما أصل كل القضايا التي تمتحن ضمائر الشرفاء والأحرار.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock