أميركا والقضية الفلسطينية

في نقاش مكثف ومطول جمعني مع مجموعة من الأميركيين (أزعم أنهم يؤثرون كثيرا في رسم سياسة الولايات المتحدة نحو الصراع العربي- الإسرائيلي) في واشنطن، اتفقنا على أن هدف الولايات المتحدة في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يختلف عن خطة الحكومة الإسرائيلية المعلنة والمعروفة بخطة التجميع. فهدف الولايات المتحدة المعلن هو حل الدولتين عن طريق المفاوضات. وهذا يتعارض مع خطة أولمرت بالانسحاب الأحادي إذا تعذر وجود الشريك الفلسطيني. طبعا هنا نفهم لماذا يعلن أولمرت عن تفضيله للمفاوضات مع الطرف الفلسطيني حتى يتهرب من الدفاع عن تنفيذ خطته. فوجود حماس في الحكم الآن هو أحسن non partner يمكن أن تحلم به إسرائيل؛ لأن ذلك يعفيها من صداع المفاوضات الذي لا تريده إسرائيل بالدرجة الأولى.

اضافة اعلان

 

قريبا سيقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت بزيارته الأولى - بعد تشكيله الحكومة- إلى الولايات المتحدة بهدف تحقيق اختراق جديد يضمن انحياز الرئيس بوش وإدارته لخطته الأحادية ومن أجل ضمان الحصول على تمويل تنفيذ الخطة. وتواجه إدارة بوش ثلاثة أسئلة رئيسية تسعى للإجابة عليها: كيف يمكن إنتاج شريك فلسطيني مقبول وقابل للاستمرار؟ كيف يمكن للولايات المتحدة أن تضمن أن ما سيقوم بتنفيذه أولمرت ينصب في جهود الولايات المتحدة المبعثرة في تحقيق الحل القائم على دولتين عن طريق المفاوضات؟ ثم في حال عدم ظهور شريك فلسطيني كيف يمكن تحديد العلاقة مع ما ستقوم إسرائيل بتنفيذه أحاديا؟

وتحاول إدارة الرئيس بوش بلورة موقف استعدادا لزيارة أولمرت في منتصف الشهر الجاري. ولا يمكن للرئيس بوش تجاهل السياقين المحلي والدولي عند التعامل مع أولمرت. فيجمع الخبراء والمسؤولون الأميركيون على أن وجود القوات الأميركية في العراق واحتمال انفجار الأزمة مع إيران سيحد من حافز الرئيس بوش لبذل جهد كبير على المسار الفلسطيني الإسرائيلي. أما السياق الداخلي فهو معقد إذ هبطت مكانة بوش عند الشعب الأميركي وبلغت شعبيته أقل مستوياتها(30%) منذ أن تم انتخابه للمرة الأولى عام 2000. وهذا عامل آخر، يصر الأميركيون، يمنع بوش من بذل جهد كبير لتحقيق رؤيته القائمة على حل الدولتين.

هذا التحليل الذي أجمعت عليه هذه المجموعة مبني على افتراضات خاطئة ويقودنا لعدم الارتياح لزيارة أولمرت القادمة للولايات المتحدة؛ أولا: الافتراض أنّ هناك شريكا إسرائيليا متلهفا وينتظر الفلسطينيين للتفاوض هو وهم وتضليل. وقد ركزت في كل مداخلاتي على أننا يجب أن نعيد النظر بهذه الفرضية التي لا تصمد أمام الحقائق التاريخية الدامغة.

والفرضية الثانية هي غياب الشريك الفلسطيني بحاجة إلى إعادة نظر أيضا. فبصرف النظر عن نجاح حماس في الانتخابات التشريعية، فوجود الرئيس محمود عباس المنتخب من أجل التفاوض على حل الدولتين يعني أن هناك استفتاء فلسطينيا على هذا الموضوع. والمطلوب هو تقوية هذا الشريك، وليس تجاهله بحجة ضعفه، إذ قامت كل من إسرائيل والولايات المتحدة بإضعافه بشكل ممنهج.

وهذا يقودنا إلى التساؤل في كيفية تعريف الشريك الفلسطيني. فقد سئمنا من مقولة وجود أو عدم وجود شريك، نحن بحاجة إلى تعريف لماهية الشريك! فما هي المعايير والصفات والمقاييس التي يجب أن تتوفر للحكم على جهة ما بأنها شريك أو ليست شريكا؟ فقد اقترحت على هذه المجموعة ثلاثة معايير للشريك: الإعلان بالقبول بخطة خارطة الطريق دون تحفظات، القدرة على الالتزام بالاتفاقات الموقعة، والشرعية. وأجزم أن هذه الصفات الثلاث متوفرة بالرئاسة الفلسطينية بصرف النظر عن وجود حماس. ولكن هل تتوفر بالطرف الإسرائيلي؟!

أود أن أشير إلى خطورة نتائج زيارة أولمرت على مستقبل الدولة الفلسطينية وعلى الدول المجاورة. ففي حال نجح أولمرت بإقناع بوش بخطة التجميع فسنشهد تطورا سلبيا على القضية الفلسطينية، إلاّ إذا تعهدت الحكومة الإسرائيلية أنّ الانسحاب الأحادي هو جزء من تنفيذ خطة خارطة الطريق، وليس نهائيا.

[email protected]