أنا صاحب المهمة الأصعب في العالم.. أنا طفل

منال أحمد كشت

أرغب بشدة باقتناء سلحفاة صغيرة لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات، لأراقبها وهي تمشي ببطء حولي في بستان منزلنا الكبير وتتناول الخس من يدي. أحب السلاحف كثيرا فهي هادئة ونظيفة ولكن أمي تكرهها جدا وترفض أن تحضر لي واحدة بحجة أن السلاحف "مخلوقات مقززة"، ولهذا فقد قررت أن تحضر لي قطة صغيرة بدلا من السلحفاة لا وبل قامت باختيار اسم للقطة حتى قبل إحضارها. هل ينبغي أن أشعر بالامتنان لذلك أو حتى بالسعادة؟اضافة اعلان
سأبث لكم همومي اليوم؛ فأنا كطفل أشعر بالمعاناة في أغلب تفاصيل حياتي؛ فطفولتي تحتم علي أن أقوم بالعديد من السلوكيات التي يفرضها علي كل من حولي بدون أي اعتبار لرغباتي أو ميولي. طفولتي تحتم علي أن أكون مهذبا ودودا حتى تشعر  عائلتي بالفخر لما قاموا به من تربية صالحة أمام الآخرين على الرغم من عدم اهتمامهم بهذه الصورة في غياب "المشاهدين". طفولتي تحتم علي أن أكون نظيفا وأنيقا ولطيفا أمام صديقات والدتي أثناء إجابتي عن أسئلتهن باللغة الانجليزية حتى تشعر والدتي بالرضا والانجاز والتفوق عليهن، فأنا لا يسمح لي باستخدام يدي أثناء تناول الطعام، كما أفعل عادة بالمنزل، أو أن أجلس بالطريقة التي تريحني أو حتى أن أتسخ أثناء اللعب في حضور صديقاتها لكي تظهر هي بصورة الأم المثالية أمامهن.
طفولتي تحتم علي أن أكون طالبا نجيبا متميزا حتى يظهر أستاذي بأنه المعلم الأفضل، وإن حدث وكنت ضعيف التحصيل فهذه مشكلتي أنا بحجة أنني لا أنتبه أثناء الحصة ولا أقوم بإنجاز واجباتي المدرسية على أكمل وجه. كما أنه من المحرم علي أن أقوم بإنجاز المهمات الموكلة الي من قبل معلمتي بطريقة تختلف عن توقعاتها وإطار تفكيرها وإلا سأكون من "الأغبياء".
طفولتي تحتم علي أن أكون قوي الشخصية، صلبا وبليدا وأن أخفي مشاعري وأحبس دموعي وتعبي وضعفي في كل المواقف حتى يشعر أبي بالفخر بالرجل الصغير "الذي يملكه" أمام أصدقائه، على الرغم من قيامه بضربي وتعنيفي وراء الأبواب المغلقة. أما أنا فيجب أن أظهر بمظهر "البنت المعدلة" أمام نساء العائلة لأثبت لهن بأنني سأستحق أحد أبنائهم بجدارة عندما أكبر وليرتاح بالهم بأنني سأقوم بطهي أفضل الطعام له وسأقوم بخدمته على أكمل وجه وأكون الزوجة المثالية له.
طفولتي تحتم علي أن أبدو بأفضل مظهر في الجلسات الحوارية والندوات التي تتحدث عن حقوق الطفل وحريته وكرامته، بينما يقوم هؤلاء الحقوقيون برسم ذلك "العالم الوردي الوهمي" عن أمان الأطفال في ظل غياب قانون الطفل أصلا وقبوع مسودة ذلك القانون في دهاليز القنوات التشريعية منذ ما يزيد على عشرين عاما.
طفولتي تحتم علي اتباع أوامر وتعليمات البالغين دونما أي نقاش أو فهم، كما تجبرني طفولتي على الاستماع الى تعنيفهم لي ومحاضراتهم عن شعورهم بالخيبة عن أمور لا أفهم معناها أو أهميتها لقصور في مهارات التواصل والتخاطب لدي كوني ما أزال طفلا، ومع هذا ينبغي علي التعاطي مع البالغين بطريقتهم وإلا صنفت على أنني طفل عنيد ومشاكس ومثير للمشاكل. 
طفولتي تحتم علي ارتداء ملابسي بالطريقة التي تناسب الجميع بغض النظر عن وجهة نظري بالألوان أو التناسقات، فمهمتي الوحيدة في محلات الملابس هي القياس فقط وتحمل مزاجية وعصبية والدتي وتذمر والدي من الوقت الذي يمضيه برفقتي والنقود التي يقوم بدفعها.
طفولتي تحتم علي أن أكون شخصية متميزة متفردة حتى لا تشعر والدتي بأن ابن أختها أو ابن عمي أو حتى ابن جارتنا متفوق علي. طفولتي تحتم علي أن أكون خاضعا للمقارنة في سلوكياتي وتصرفاتي وإنجازاتي مع كل أطفال العالم دونما استثناء حتى يشعر الجميع بأنهم يقومون بمهمة تربيتي على أكمل وجه على الرغم من تركهم لي ساعات طويلة أمام شاشة التلفاز أو الألعاب الالكترونية وعدم الاكتراث بتنمية مواهبي أو قدراتي.
طفولتي تحتم علي ألا أعيش طفولتي، وسأكبر كما يريدون لي وستضيع مني ما كان من المفترض أن تكون أجمل سنوات عمري وسأشعر دوما بتلك الغصة التي ترافقها أطنان من الحنين لماض لن يعود. فأنا صاحب أصعب مهمة في هذا العالم... أنا طفل.