أنفق ما في الجيب ...

في أول زيادة لافتة على بند النفقات الرأسمالية في موازنة 2007، سادت حالة من التفاؤل حيال هذا القرار بسبب أثره المتوقع في تحقيق تنمية حقيقية عبر تشغيل القطاعات في مشاريع حيوية، تساهم في توزيع مكتسبات التنمية على الجميع.

اضافة اعلان

لكن النتائج لم تأت بحجم التوقعات. إذ أدى تراخي الحكومات في إنفاق المخصصات على المشاريع المخطط لها إلى تمييع الفكرة، لا سيما بعد أن دأبت الوزارات على تدوير بعض تلك المبالغ أو استخدامها في تقليص فجوة العجز على حساب التنمية المستدامة.

لكن رغم ضعف العمل في هذا الجانب فإن موازنة 2009 تظهر أن الحكومة مصرة على تخصيص مبالغ مالية ضخمة للنفقات الرأسمالية، متجاوزة تدني مستوى الأداء الحكومي سابقا في مجال استغلال هذه الأموال بصورة مثالية بما يحقق أهداف التنمية.

رصد زهاء 1.219 بليون دينار لهذا البند في موازنة العام المقبل، أو ما يعادل 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية مقابل 8.7% عام 2008، يدلل على أن تخصيص مثل هذه الأموال أضحى من باب التعويد لا سيما أن إنفاق هذا البند لقي إهمالا لدى آخر حكومتين.

تتضمن هذه النفقات مشاريع مستدامة وأخرى قيد التنفيذ وكذلك المشاريع الجديدة وفقا للأولويات الوطنية. وبحسب مخططات الحكومة تتجه النية إلى الإبقاء على وتيرة الإنفاق العام المقبل عند نفس مستواها أيضا خلال عامي 2010 و2011.

 يعكس تأخر الوزارات والدوائر الرسمية في تنفيذ المشاريع الرأسمالية رغم رصد مخصصات لها في الموازنة العامة تقاعسا عن أداء الدور المطلوب من هذه المؤسسات لا سيما ما يرتبط بإقامة مشاريع ضخمة وأخرى خدماتية تسهم في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين.

الأثر الأكبر لتدني مستوى هذا الإنفاق المنشود يأتي مباشرة على مسيرة التنمية كون هذه المبالغ مخصصة لمشاريع تساهم في تحسين نوعية الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين بهدف الارتقاء بمستوى معيشتهم. كذلك، ينعكس تواضع هذا النوع من النفقات على الأداء العام للاقتصاد ويؤثر على النمو الاقتصادي، المتوقع أن يتراجع مع نهاية هذا العام دون 4.4 بالمئة.

يتوقع ان يبلغ العجز الكلي المستهدف للموازنة العامة "بعد المساعدات" لعام 2009 ما مقداره 690 مليون دينار او ما نسبته 4.6% من الناتج المحلي الاجمالي وذلك بالمقارنة مع العجز المقدر لعام 2008 بنحو 826 مليون دينار او ما نسبته 6.2% من الناتج المحلي الاجمالي ويتوقع ان ينخفض هذا العجز لتصل نسبته الى الناتج المحلي الاجمالي الى 4.3% في عام 2010 والى 3.8% في عام 2011.

يؤكد تقرير حكومي، حول مستوى الإنفاق وتقدم سير العمل في المشاريع الرأسمالية المدرجة في قانون الموازنة العامة 2008، "أن هناك مؤسسات رسمية لم تنفق فلسا واحدا على مشاريعها، في حين بلغت نسبة الإنفاق الرأسمالي حتى شهر نيسان (ابريل) الماضي 20.1 % في المتوسط".

ويقدر حجم النفقات الرأسمالية المرصودة في الموازنة العامة للعام الحالي 1.12 بليون دينار مقابل 841.8 مليون دينار لنفس الفترة من العام الماضي أي بنسبة زيادة تصل إلى 33%.

انخفاض وتيرة الإنفاق على النفقات الرأسمالية، في ظل ارتفاع مستويات جني الضرائب والرسوم وغلاء المعيشة، يشكل انتقالا قاسٍيا للمنفعة من المواطن للحكومة ويقلل من نوعية وجودة الإنفاق الحكومي وأثره الإيجابي على الاقتصاد الأردني كما يقلل من إمكانية تحفيز دخل القطاع الخاص وتنافسية الاقتصاد.

ولا يخفى على احد أن النفقات الرأسمالية ولدى التدقيق بها يتضح أن جزءا كبيرا منها جارية؛ كرواتب، أجور، دراسات، أثاث وخلافها، ما يعني ضرورة التقيد بالجزء المتبقي والمتضمن الإنفاق على البنى التحتية.

الإنجاز الحقيقي لا يقاس بقيمة هذا النوع من النفقات، بل بكيفية وحجم إنفاقها، إذ إن هذا الحجم المرتفع من المال يلزمه قرار بجدية العمل على التنفيذ، حتى لا تتراكم الأموال لدى الخزينة وتجير إلى بنود أخرى مثل العجز والنفقات الجارية التي تتضخم من دون مبرر.