أنقذوا البحر الميت

المحاضرة التي ألقاها الدكتور نجيب أبو كركي أستاذ الجيوفيزياء بالجامعة الأردنية عن التحديات التي تواجه البحر الميت توضح أننا لم نعد في مرحلة توقع المخاطر والمشكلات، فقد بدأت تقع بالفعل بسبب الانحسار الواسع في مياه البحر الميت، ومن ثم نشوء فجوات واسعة في المنطقة المحيطة بالبحر تؤدي إلى مشكلات كبيرة تضر بالطرق والمنشآت، وهناك أيضا تحديات تواجه مخزون المياه الجوفية العذبة التي بدأت تتسرب إلى البحر بفعل الفراغ، مؤدية إلى هدر كبير في المياه العذبة القليلة ابتداء، وفي إذابتها للأملاح فإنها تزيد الفجوات والتهديد بالخسف، وهناك أيضا منشآت واستثمارات واسعة في السياحة والبوتاس في المنطقة مهددة، ولا نحتاج إلى القول بأنها مقولات تثير الخوف والفزع، فيجب أن نخاف ونفزع، لأن غض الطرف عن المشكلات وتأجيلها لا يحلها، وفي المقابل فإن المبادرة واكتساب الوقت العزيز والغالي سيوفر بالتأكيد كثيرا من الخسائر.

اضافة اعلان

البحر الميت في انحساره/ اختفائه لن يكون مجرد حادثة جفاف، ولكنها إن حدثت لا سمح الله فستكون عمليات خسف واسعة ومدمرة تضر بالناس والزراعة والموارد، وتحولها إلى منطقة خالية من السكان والحياة، وفي المقابل فإن استباق الكارثة يمكن بالإضافة إلى إنقاذ المنطقة وحمايتها أن يحولها إلى منطقة مشروعات زراعية وسياحية واسعة ومصدرا للطاقة، أتحدث هنا بالطبع عن مشروع قناة البحرين الذي يمكن أن يكون أساسا للتزويد بالمياه العذبة والطاقة والمشروعات السياحية، وتعويض النقص في المياه في البحر الميت.

وباختفاء نهر الأردن ثم البحر الميت فإننا نصيب المنطقة بدمار ثقافي ورمزي واسع لا يعوض، فهي أولا المنطقة التي تشكلت حولها الرواية المنشئة لحضارات وشعوب المنطقة (الآراميون) والدين والتاريخ والرموز والقصص والأساطير، وما الأمم والأوطان إلا قصص وحكايات وذاكرة، ونسيان أيضا، فهي المنطقة التي شهدت نشأة الأديان السماوية والرسالات الإبراهيمية، ومن قبل شهدت الأفعال والتحولات الحضارية الأساسية، النار والزراعة والبناء والأدوات الفخارية والحديدية، وإذا لم نملك الحس الكافي للحفاظ عليها وإدامتها وتجديدها ولم نقدر الضرر المستقبلي الذي يمكن أن نلحقه بالمستقبل والقادمين إلى الدنيا من بعدنا، فنحتاج إلى التذكر بأن رم وبادية الشام والحجاز والجزيرة العربية كانت مسرحا لحضارات واسعة ومزدهرة، ولكنها تحولت إلى غبار وسراب!! وإذا لم نملك الرؤية الكافية لاستيعاب التاريخ وتحويله إلى أفكار وموارد فإننا نهدر المستقبل، وحياتنا أيضا التي ليست سوى تاريخ مضى ومستقبل مقبل، وإذا كانت "بضدها تتميز الأشياء" فإن وجودنا يتميز بإدراك العدم.

[email protected]