"أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعونِ"

screenshotshort-5422
screenshotshort-5422

د. محمد المجالي

هي رسالة كل الأنبياء لأقوامهم، يلخصونها في هذه النقاط الثلاث: عبادته سبحانه، وتقواه، وطاعة نبيه فيما بلغ عن ربه، وهذه الأوامر الثلاثة جاءت على لسان نوح عليه السلام مع قومه في سورة (نوح)، أما ما جاء في سور أخرى أهمها (الشعراء) فهو الأمر بالتقوى والطاعة: "فاتقوا الله وأطيعون"، ولكن بداية قصة كل نبي مع قومه توحي بدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته، فهي الأمور الثلاثة مرة أخرى.اضافة اعلان
وقد يقال إن العبادة شاملة للمفهومين الآخرين، فيكفي ذكرها، ولماذا يذكر التقوى والطاعة؟ خاصة وأن الله تعالى بين أن الغاية من الخلق هي العبادة: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، والتقوى نتيجة للعبادة الصحيحة، والطاعة تابعة لمن يستحقها، وهو الله تعالى، وإلا فطاعة نبيه من طاعته، قد يصح هذا في الجملة، ولكن الآية -والآيات الأخرى مجتمعة- تؤكد هذه الثلاثة، فقد يعبد أحدُنا اللهَ تعالى بأداء الفرائض من دون إعطائها حقوقها، أو شكليا، ولكن الله تعالى يريد العبادة التي توصل إلى درجة التقوى، فاقتضى التنبيه عليها، وكذا الطاعة، فقد يظن بعض المسلمين أنها مسألة ثانوية، وربما تعتد به نفسه فيفهم الدين كما يشاء، وربما يفتي لنفسه ما يشاء، ومن هنا اقتضى تأكيد الطاعة، بل لا إيمان إلا بالطاعة الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مقتضى الشق الثاني لكلمة التوحيد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
ينقص المسلمين في هذا الزمان شيء من حسن التصور لهذا الدين وضرورة الانقياد لله تعالى في كل ما أمر به ونهى عنه، فحين يقول الله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله"، فهو توجيه واضح إلى ضرورة طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يشرّع ويبلّغ عن ربه سبحانه، أذكر هذا في زمن يتجرأ بعض الناس على النبي وسنته صلى الله عليه وسلم، وعلى من نقل هذه السنة من علماء راسخين كالبخاري ومسلم وغيرهما من جهابذة الحديث.
ولعلنا ونحن نتفيأ ظلال شهر رمضان، نتوجه إلى الله أن يعيننا في إحياء الأمل في نفوسنا، وينير لنا شيئا من بصيرة لطالما انشغلنا عنها، وتاهت حينئذ بوصلة كثيرين استسلموا لشهوة، أو انشغلوا بشبهة، فتثاقلوا عن الطاعة والعمل، واكتفوا بالتنظير، ونسوا أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهي مشاعر يعتادها المؤمن الذي ينشغل عادة بمراقبة الله تعالى، يهمه أمر دينه، يحاسب نفسه ويراجعها، يلومها على التقصير، سواء إن أتى معصية، أو تقاعس عن طاعة.
يهمنا في مسيرنا إلى الله هذا الشعور، كيف أرتبط به سبحانه، أراقبه وأبتغي مرضاته، فالرسالة الربانية التي أنزلها واضحة: "أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون"، حيث إفراده تعالى بالعبودية، فلا معبود بحق إلا الله تعالى، ونتقيه باجتناب نواهيه وتعظيم أمره، لنصل إلى حالة من المعية له والأُنس به سبحانه، ونطيع رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو المبيّن لكثير مما أُبهِم وأُجمِل وعُمّم في هذه الشريعة الخاتمة.
اقتضت حكمته سبحانه أن تكون العبادات منوعة في كيفياتها وماهيتها، موزّعة على العمر والعام والشهر واليوم، وهي أركان ونوافل يجبر بعضها بعضا، ويكمل بعضها بعضا، المقصد منها هو هذا التوجه إلى الخالق سبحانه، عبادة وانقيادا وتقوى، وفي هذا من الإيجابية والعطاء والالتزام ما فيه، حين ينضبط السلوك، ويعيش الفرد لله، فيكون بحق (ربانيا)، يبتغي أحدنا أن يرتقي، ويحلق بعيدا في رضوان الله وطاعته، يترفع عن مشغلات الدنيا، وإن كان لا بد -وهو حاصل فبقدره، ولا يسمح لنفسه أن يتجاوز الحد، فهو يعلم أن مجرد التساهل في هذه الأمور (المباحة)، فضلا عن أن تكون مكروهة أو محرمة، فإن المصير قد يكون انشغالا أكبر، وبالتالي هجرانا للطاعة، وانغماسا في المعصية.
رمضان نفحة من نفحات الله، هو في الدرجة الأولى فرصة للمراجعة والمحاسبة، والجلوس مع النفس والتفكير العميق، أين موقعي في نظر الله؟ وهل أنا مستعد للقائه؟ وهل أنا مطمئن وراض عن نفسي؟ وبالتالي أستشعر ويغلب على ظني أن الله راض عني؟
قد يغش أحدنا ويكذب على أغلب الناس، ولكنه يعلم أن الله أعظم من أن تنطلي عليه حيلة، ويعلم في قرارة نفسه أنه غاش لنفسه، ربما عنده إيمان لكنه ضعيف أمام الشهوات، يريد التوبة ولكنه يتقاعس عنها، وهنا تكون الطامة إن تعوّد المعصية، وانقاد لها.
هو شهر الإنابة والرقة والشفافية، تنتصر فيه الروح على الجسد، لينبعث نور الإيمان من جديد، لعله يصل إلى العقل والقلب معا، فيستقيم أمر أحدنا مطلقا، ويتزود لرحلته، لا أقول لعام قادم، بل ربما لحظة صدق وإنابة وبصيرة مع الله، تنير له دربه مدة حياته.
كم نحتاج إلى أوبة عامة، على الصعيد الشخصي كما ذكرت، وعلى صعيد الأمة والمجتمع، كم نحن مقصرون في حق ديننا، سواء في سلوكنا حين نمثله، أو في الدعوة إليه والعمل من أجله، فحال المسلمين اليوم لا يسر، وعلاقاتنا ببعضنا بعضا أفرادا وجماعات لا تتفق وديننا ومهمتنا التي شرفنا الله بها، فما أحوجنا إلى مراجعة كثير من أمورنا، ما كان في جوهرها أو عَرَضها، لعلنا نؤدي رسالتنا على أكمل وجه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.