أن نكون أنيقين بأخلاقنا

بابتسامته المعهودة، استقبلني موظف الفاليت أمام الفندق الذي يعمل به. ورغم اكتظاظ المركبات من حوله، إلا أن الشاب المقبل على الحياة والجاد في عمله، رحب بي وأخذ مفتاح مركبتي وغادر بهدوء ليواصل عمله بنقل المركبات التي يعج بها المكان بسبب وجود إحدى الحفلات داخل الفندق.اضافة اعلان
انهيت اجتماعي، وغادرت، بانتظار سيارتي التي تأخر وصولها عدة دقائق. كان الشاب ما يزال يجدّ في عمله، ويسرع لإحضار المركبات، ويحرص على أن لا يتأخر على أحد هو وزملاؤه الذين يعملون بتناغم كخلية نحل.
جاء دوري، فأحضر مركبتي، شكرته ودفعني الفضول إلى أن أساله عن عمله، والمصاعب التي يواجهها، خصوصا أنه يتعامل مع مئات الشخصيات في كل يوم.
ورغم ضيق وقت ذلك الشاب الجامعي، إلا أنه ابتسم وقال لي “قليل من يتحمل العمل في هذه المهنة المتعبة نفسيا”. ورغم تمسكه بأن لا شيء يمنعه من العمل بأي مهنة كانت، لكنه في مهنته هذه يصطدم في كثير من الأحيان بأشخاص يتعاملون معه ومع زملائه باستعلاء وفوقية ويتحدثون بلهجة مسيئة. ويضيف “كأننا خدم لديهم”، مؤكدا أن هناك من يوجهون كلاما مهينا إليهم، كأن يأتي أحدهم متباهيا بمركبته الفاخرة ويقول لأحد الموظفين “السيارة التي تركنها ثمنها ربما لن تستوعبه.. لذا انتبه عليها جيدا”!!
في تلك اللحظة وصل أحدهم، وقال لأحد الموظفين “إن خرجت ولَم أجد سيارتي تقف على مدخل الباب الرئيسي توقع أن يكون حسابك عسيرا”! حينها ابتسم لي ذلك الشاب وقال “هذا أحد النماذج التي نقابلها باستمرار”.
دفعني كلام الرجل إلى تأمل هؤلاء الناس الذين لا يشبهون أناقة مركباتهم، وتعاليهم على موظفي الفاليت واستكثارهم حتى رد السلام عليهم، والاكتفاء بعبارة “دير بالك على السيارة”.
غادرت ولدي المزيد من الأسئلة التي أرغب أن يجيبني عليها ذلك الشاب الذي ذهب ليكمل عمله بإحضار مركبات أخرى، لكنني شعرت بالكم الهائل من “الإهانات” التي يتعرضون لها، ويضطرون للسكوت عليها حفاظا على “لقمة العيش”.
أمراض مجتمعية وصور مخجلة، لشخصيات يقابلها الموظفون، يعتبرون أنفسهم في مرتبة أعلى من الآخرين، ويعطون أنفسهم الحق بالإساءة لكل معانيها.
ذلك الشاب الذي يقوم بعمله بكل جد وإخلاص، أفضل من كثيرين ممن يتسترون خلف حسبهم ونسبهم أو مالهم أو مركباتهم الفارهة. يختبئون خلف “إكسوارات زائفة”، تنكشف مع أول كلمة تخرج من أفواههم لتكون كفيلة بأن تظهر لك حقيقتهم.
أولئك الشباب الذين “تسخر” منهم تلك “الطبقة”، معظهم جامعيون متعلمون ومثقفون، يعملون ليل نهار، في أشد الأوقات حرارة، وبأكثر الفصول بردا، لتوفير حياة كريمة لهم ولعائلاتهم.
كثير منهم يضربون لنا أمثلة رائعة بكسرهم ثقافة العيب، يعملون في المطاعم والمولات وعلى مركبات الأجرة، وفي مهنة الفاليت. نفتخر بهم ونحن نشاهد من يضع كتابه إلى جانبه، عله يجد وقتا لدراسة امتحان الجامعة في خضم عملهم، ينامون بعد يوم طويل امتزج به العمل بالعرق.
وبعد كل ذلك يأتي من يعتبر نفسه أفضل منهم ليثبط من عزائمهم وهممهم، رغم أن لا شيء مطلوبا منهم سوى مبادلتهم الاحترام، ونظرة تقدير لهم.
يبقى أصحاب تلك الأمراض المجتمعية، على كثرتهم، قلة، لكنني أعتقد أن أحدهم كفيل بأن يكسر طموح شاب! كأن يشعر بالفرح بأنه حصل على وظيفة ستدخل عليه بعض المال.. لكن ذلك المال امتزج لديه بالذل!
لهؤلاء الذين يرتدون أجمل وأغلى الملابس لتشبه أناقة مركباتهم.. تعلموا أن الأناقة والجمال يتحقق بسلوك وأخلاق وتصرف وتربية..
“يتركونا بحالنا وإحنا بالف بخير”.. هذا ما قاله لي ذلك الشاب.. وليس مطلوبا منكم أكثر من ذلك!