ضيوف الغد

أوقفوا الحفر

معاذ دهيسات

لأول مرة يحصل فيلم أجنبي على جائزة أفضل فيلم في حفل توزيع الأوسكار وهو الفيلم الكوري الجنوبي (بونغ جون) أو (طُفيل) ويعرض الفيلم صورة فاضحة للفقر وللصراع الطبقي المستعر والمستمر، صراع لامتناهٍ بحسب عالم النفس الاجتماعي البريطاني ريتشارد هوغارت حسب تعبيره : «التمييز بين الطبقات لا يختفي، لكن الطبقات تتعلم طرقاً جديدة للتعبير عن نفسها».
وفي سياق مواز يضع تقرير التنمية البشرية الأخير الصادر عن الأمم المتحدة حالة (عدم المساواة) عنوان التحدي الرئيسي، وبمقدمة التقرير يرى المدير التنفيذي للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (اكيم شانتير): أن ما نراه اليوم من حالة عدم المساواة وتفاقم نفوذ القلة وهيمنتهم السياسية هو (قمة الموجة).
وفي وصف الموجة التي نعتها توفلر بالثالثة ويسهب بتوضيح خطورة حيثياتها بانهيار المؤسسات تماماً كقطع الدومينو نتيجة العلاقة الأصيلة التي تجمع الطبقية والفساد وهي الوصفة المناسبة لعدم الاستقرار والفوضى، ذلك يطابق قول انجلز أن صراع الطبقات محرك للتغيرات الاجتماعية حتى اليوم وهو جوهر فكر ماركس الذي اتكأ عليه تحت عنوان: (الصراع الاجتماعي).
حاول المحللون تأطير مفهوم الطبقية بجعله قابلاً للقياس عن طريق ثلاثية (الدخل والتعليم ونمط الحياة) مع تبدل بسيط بالمفاهيم ولكن حديثاً تبين أن الأمر بات أعقد من هذا الوصف فالقضية باتت بالجوهر وليس بالشكل فإذا تحدثنا عن التعليم مثلاً فالموضوع أردنياً لم يعد بوجود الطالب إجبارياً بين جدران الغرف الصفية واجتيازه لعام دراسي حسب المقتضى الدارج، القضية باتت بإجابة سؤال: ما هي محصلة هذا العام المعرفي الذي حكمت الطفل فيه خلال هذه السنة الشمسية التي منحتك إياه فيها؟
للأسف كل المؤشرات التنموية تنذر بدخولنا إلى منطقة الفقر التعليمي وهو ما يتحدث به معلمون ووزراء تربية بتندر عن آلاف الطلبة الذين وصلوا للمرحلة الثانوية وهم أميون في زمن بات فيه إنجاز القراءة والكتابة أمراً محسوما قبل القياس الحالي.
يوصي تقرير التنمية البشرية للعام 2019 إلى وجوب استدعاء جيل جديد من المقاييس لمواكبة تحديات العصر. إذن ما الذي نقيسه اليوم وإلى أين وصلنا؟
نحن اليوم عالقون بمكاننا والعالم يتسارع وهو ما يعني اتساع الهوة بيننا وبين الآخر وهذا ما يفسر كمية العبث المعرفي الذي يجول شبكتنا العربية حيث تم ببساطة ترحيل فقرنا المعرفي إلى الفضاء الإلكتروني وبات المنفذ الوحيد لخروج أبنائنا الباحثين عن العلم من كماشة الجهل هو اتقان اللغات الأخرى للحصول على المعرفة من منبعها أو دفع اشتراك في مجلات علمية للحصول على الدراسات العلمية الموثقة والحديثة إذن من جديد باتت المعرفة للأغنياء ولمن يستطيع الدفع فالمعرفة المجانية في المحتوى العربي مليئة بشوائب إدارة التوحش وصراع القاع إنها معرفة بحاجة للكثير من الفلترة ومحتواها مليء بالسموم الايدولوجي المليء بالكراهية. إنها معرفة قاتلة تعزز عزلتنا وجهلنا.
يرى أرسطو أن الإنسان الذي يعيش منعزلا أو منفردا إما أن يكون وحشا أو إلهاً!
بدون شك ما تقوم به مجتمعاتنا المعزولة بطبقيتها ولا مساواتها ليس سلوك آلهة وإنما سلوك طفيل متوحش.
الكاتب العالمي (كيوساكي) في كتاب أبي الفقير وأبي الغني أشار لفكرة بسيطة وهي: إذا وجدت نفسك في حفرة – فأول خطوة للنجاة هي أن تتوقف عن الحفر.
من الواضح أنه بات علينا كخطوة أولى أن نوقف الحفر.

[jetpack-related-posts][/jetpack-related-posts]
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock