أولويات الحكومة الاقتصادية (1)

فضلت الحكومة الابتعاد عن تسمية برنامج عملها الاقتصادي (2021 - 2023) بالخطة الاقتصادية مكتفية بتسميته برنامجا للأولويات الاقتصادية للمرحلة المقبلة. قد لا تكون الحكومة بذلك تريد إلزام نفسها بخطة اقتصادية استراتيجية واضحة المعالم وببنود محددة دون أن تقوى على تنفيذها، وبالتالي ترفع سقف التوقعات دون القدرة على التنفيذ. شخصياً كنت أتمنى أن يكون هناك خطة اقتصادية بمراحل زمنية محددة وذات منظور استراتيجي للقطاعات الاقتصادية التي يمتلك الاقتصاد الأردني بها ميزة تنافسية، تحدد نقاط القوة والضعف في كل قطاع وتشير إلى ما يلزم من خطوات وإجراءات مدروسة، آخذين بعين الاعتبار هامشاً للتحوط من أي مخاطر أو تأثيرات اقتصادية قد تؤثر بسير العمل، بعد ذلك يصار لتحديد الأهداف والخطوات الإجرائية على أرض الواقع من خلال برنامج عمل واضح، لا أن نبدأ بصورة عكسية كما فعلت الحكومة.اضافة اعلان
هل نملك ترف الوقت لوضع استراتيجيات اقتصادية وخطط واضحة المعالم والتوجه؟ هذا سؤال قد يطرح في أي وقت، لكن إجابته سهلة. نحن نمتلك من الخطط والاستراتيجيات وبرامج العمل والوثائق التي لو طبق ربعها لتحولنا الى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً، فمن خطة للنهضة الى خطة للتحفيز الاقتصادي الى رؤية للأردن لعشرين عاما مقبلة. لكننا دائما ما نقول إن العبرة بتنفيذ وتطبيق ما يكتب لينعكس ذلك واقعا ملموسا على حياة الناس. لكن المواطن اعتاد خططا اقتصادية يروج لها بعروض تقديمية ملونة ومبهرة وبأرقام ليست واقعية وأحلام تتجاوز التوقعات بكثير، يكون مصيرها الأدراج ولا يطبق منها إلا الجزء البسيط.
في هذا الباب، قد يحسب للحكومة واقعية البرنامج الاقتصادي الذي قدمته، فتمويله متوفر من بنود الموازنة؛ حيث إن إجمالي كلفة البرنامج يقدر بحوالي 480 مليون دينار لعامين مرصود نصفها تقريباً لموازنة العام الحالي. طبعاً بمثل هكذا إنفاق يصعب تحفيز النمو الاقتصادي، لأن تحفيز الاقتصاد يحتاج لزيادة الطلب الكلي من خلال زيادة كبيرة بالإنفاق الاستهلاكي (يشكل 85 % من الطلب الكلي للاقتصاد الأردني) والإنفاق الحكومي والإنفاق الاستثماري، وزيادة في الصادرات وتخفيض للعبء الضريبي، هل هذا حديث نظري لا يمكن تطبيقه؟ أبداً، فهناك شواهد كثيرة طبقت في الأردن، وتحديداً في العقد الأول من الألفية الثانية.
تدرك الحكومة تماماً أهمية الخروج بأقل الخسائر من تبعات أزمة كورونا، لاقتصاد كان يعاني أصلاً قبل الجائحة (متوسط معدلات النمو آخر عشرة أعوام قارب 2 %)، كما تدرك الحكومة تماماً أن هناك مشاكل اقتصادية (لم تعد تحديات) ضاغطة، على رأسها شبح البطالة (50 % من الشباب متعطل) الذي بات مهدداً للأمن المجتمعي إذا ما استمر بهذه النسب. لكن على الحكومة أن تدرك أيضاً، وبوضوح، أن الاقتصاد لا ينظر إليه "بعقلية محاسبية" تهتم بزيادة إيرادات وتقليل عجز، وعليها انتهاج فكر اقتصادي مبني على فهم عميق لمحددات النمو ومسرعاته، وذلك زيادة للإنتاج وفرص العمل. في المقال المقبل قراءة اقتصادية تفصيلية لبرنامج الأوليات الحكومي.