أولويات الحكومة الاقتصادية (2)

في برنامج أولويات عمل الحكومة الاقتصادي (2021-2023) المعلن ما يزال هناك إصرار على تجميل المشاكل العميقة التي نعاني منها بوصفها تحديات، فمشكلة البطالة مثلا وارتفاع الأسعار ليست تحديات بقدر ما هي مشاكل عميقة مؤرقة بالنسبة للاقتصاد الأردني، مع ذلك وبصورة عامة فقد أشار البرنامج الحكومي لنقاط محورية -صحيح أنها عامة ومتفق عليها إلا أنها صلب المشكلة الاقتصادية- مثل معالجة البطالة، تباطؤ النشاط الاقتصادي، والحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، يقدر حجم الانفاق الرأسمالي كما أعلنت الحكومة لإنجاز هذا البرنامج خلال العامين القادمين ما مقداره 480 مليون دينار، وحسب الحكومة أيضاً سيكون هذا التمويل متوفر بالكامل حيث تم تخصيص 280 مليون دينار من الموازنة العامة للعام 2022 و200 مليون دينار ستخصص من المساعدات والمنح الخارجية.اضافة اعلان
تضمن البرناماج 53 أولوية موزعة على 3 محاور رئيسية هي تحسين بيئة الاستثمار وممارسة الأعمال، ودعم القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، وتعزيز المنافسة وتحفيز القطاع الخاص على التشغيل، بكلفة 480 مليون دينار مع التأكد من مصادر للتمويل لكافة الأولويات من الموازنة العامة، أو بتمويل من المساعدات الخارجية، أو القطاع الخاص. قد لا يكون إنفاق 240 مليون دينار خلال العامين القادمين كافيا لدفع وتحريك عجلة الاقتصاد، فالاقتصاد وبمعدلات نموه الحالية يحتاج لما نسميه بدفعة كبيرة (Big Bush) أو حد أدنى من الانفاق الكلي ليتمكن من تسريع النمو الاقتصادي، فأي نمو لن يحدث عن طريق "إنفاق متقطع" في هذه القطاع أو ذاك، ما يعني بأن هناك حدا أدنى من الإنفاق الكلي الضروري كي تبدأ عجلة الاقتصاد بالدوران، وهذا ما ينص عليه قانون العوامل المحددة (Law of the limiting factors) بضرورة توافر العوامل المحددة للنمو بحدها الأدنى، كي تنجح عملية التنمية.
من إيجابيات البرنامج بأنه يسلط الضوء على نقطتين أساسيتين: أولاً التركيز على تخفيض الكلف الإنتاجية وذلك زيادة لتنافسية الاقتصاد الأردني، وثانيا تحديد القطاعات ذات الأولوية في الاقتصاد والتي يفترض التركيز عليها في الفترة الحالية، كقطاع الصناعة والزراعة والسياحة والتكنولوجيا، لكننا ببساطة ممكن التركيز حاليا وبسرعة على القطاعات التي حققت نموا في صادراتها خلال النصف الأول من هذا العام مثل الألبسة وتوابعها بنسبة 15.8 %، والأسمدة بنسبة 102.2 %، والبوتاس الخام بنسبة 3.7 %، ومستحضرات الصيدلة بنسبة 10.7 %، والفوسفات الخام بنسبة 23.3 %، والمنتجات الكيماوية غير العضوية بنسبة 41.5 %.
للأسف لم يذكر البرنامج شيئا حول الضريبة والعبء الضريبي على الفرد والتشوه الضريبي وبالذات ضريبة المبيعات والتي يدفعها الفقير قبل الغني، فهي محدد أساسي للقوة الشرائية للفرد، فإذا أردت زيادة الطلب الكلي في الاقتصاد ولم تستطع زيادة دخول المواطنين أو الإنفاق الحكومي أو الإنفاق الاستثماري فعليك بتخفيض الضريبة، أيضاً، لم يتحدث البرنامج عن خطوات عملية في ترشيق الإنفاق الحكومي في الموازنة العامة بصورة لا تمس الرواتب والإنفاق الراسمالي، فتخفيض الموازنة الحالية بنسبة 5 % سيوفر ما قيمته 475 مليون دينار ممكن أن تساهم في مكان آخر ذي إنتاجية مضافة بالاقتصاد، بالنسبة للاستثمار وحسب ما أعلنت الحكومة هناك ما يزيد على 44 قانونا يرتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة في العملية الاستثمارية، و1000 نظام و800 تشريع بدرجة تعليمات تقوم على إنفاذها أكثر من 50 وزارة وجهة حكومية، ستقوم الحكومة كما أعلنت بالعمل على ترشيقها تحسيناً لبيئة الاعمال والاستثمار.
وجود برنامج اقتصادي للحكومة، كان ضرورة وخطوة تأخرت بها الحكومة كثيراً، صحيح ما قدم كان في كثير من بنوده مجرد دور اعتيادي على أي حكومة القيام به، لكن وجود اطار اقتصادي لهذه الحكومة كان ضرورة، لحكومة ظهرت دون عنوان اقتصادي واضح، وكما نقول دائماً، نحن نمتلك أحسن الإستراتيجات والخطط، لكن العبرة دائماً في التطبيق.