أولوية التصدي لجائحة البطالة

مع تصاعد الأمل بإمكانية السيطرة على انتشار الجائحة، وانحسار التأثيرات الصحية والاجتماعية المباشرة لها – وهو ما يزال هدفا في دائرة الآمال، فالوجوه لم يؤذن لها بأن تسفر من خلف الكمامات بعد-، فإن تناول جائحة البطالة على المستوى الوطني بات ضرورة ملحة بأن يعالج بشكل شمولي، وخارج سياق الخطط الطارئة، والمعالجات الموضوعية، والبرامج القصيرة المدى التي طبعت شهور كوفيد وربما ما قبلها أيضاً.اضافة اعلان
معدلات البطالة وفق الأرقام الرسمية ناهزت الـ24 % من قوة العمل الوطنية حتى الربع الثالث من العام الماضي، وهي معدلات قياسية وكارثية، ساهمت فيها جائحة كورونا، التي أضافت أرقاما جديدة فوق الأرقام المرتفعة أصلا. تتطور هذه الأرقام المقلقة فيما يقترب الأردن من ذروة «الفرصة السكانية» حيث ترتفع نسبة القوى العاملة إلى مجموع السكان، وتنخفض نسبة الإعالة إلى أدنى مستوياتها، قبل أن تبدأ بالارتفاع مرة أخرى. وهي فرصة وتحد في ذات الوقت، يمكن أن تنهض بالاقتصاد، وتؤدي إلى النمو والرفاهية، أو تؤدي بها البطالة إلى مشاكل اجتماعية مركبة.
رئيس الحكومة وفي رده على بيانات النواب، وافق أعضاء المجلس على « أن التحدي الأكبر للمرحلة المقبلة هو البطالة» -وإن حصره في الشأن الاقتصادي-، وعرض معالجات قصيرة الأجل ومحدودة، وقدم عناوين عريضة للحلول على المدى المتوسط والطويل تتلخص في زيادة معدلات النمو الاقتصادي، التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوفير بيئة أعمال تنافسية، وبيئة استثمارية جاذبة ..الخ. وهي عناوين لا خلاف عليها، ولكنّ إدراكها يتطلب كثيرا من التخطيط والتوازنات والعمل الدؤوب بالإضافة إلى ظروف إقليمية وعالمية مواتية. ومن أهم هذه التوازنات الصعبة تأتي مراعاة مصالح المستثمرين والقطاعات الاقتصادية المختلفة، والسير بسياسات توطين الوظائف، ورفع معدلات الأجور وتحسين ظروف العمل لاستقطاب العامل الأردني لقبول الفرص المتوفرة في سوق العمل.
في المسافة بين ما يُقبِل عليه العامل الوافد من مهن ضمن الظروف المتاحة، والمقابل المادي للعمل وبين ما يمكن أن يقبل به العامل الأردني، هناك أكثر من 430 ألف تصريح عمل، يضاف اليها أعداد غير محددة وتائهة من العمالة «السائبة»، ما يمكن أن يحل مشكلة البطالة بين الحاصلين على تعليم أقل من الثانوي على أقل تقدير. وهذه الفجوة الواضحة ما تزال الشغل الشاغل للإدارة الحكومية على مدى عقود، وقد سعت بعض دول الخليج العربية جاهدة لمواجهة هذه المشكلة، من خلال برامج أنفقت عليها كثيراً وطويلاً، إلّا أن جدوى هذه السياسات وآثارها على الاقتصاد الكلي متباينة، فالمقاربات التي تمّت في هذا الجانب لم تسعف كثيرا، مما يتطلب مقاربات أخرى أشمل، ترتكز على الجوانب الثقافية والاقتصادية معا.
وفي المهن الأعلى ثمة فرص أيضاً، -والكلام على عهدتي- فقلّ أن التقي صاحب عمل، أو مدير مؤسسة متوسطة أو فوق متوسطة إلا ولديه حاجة إلى مهارات معينة يعز وجودها، وتجمع في العادة بين التخصص العلمي ومهارات ضرورية مثل: القدرة على الكتابة المتخصصة، والتحليل المنهجي، وتطوير المنتجات، وتقديم العروض، والتسويق والنشر الحديث، وخلق تواصل مع جهات خارجية ومحلية …الخ. وهذه المهارات تطور الأعمال القائمة وتوفر فرصاً للنمو، وهي الأكثر عرضةً للهجرة إلى الأسواق الأخرى لذات المهارات التي تتيح تواصلاً مع القطاعات والمؤسسات ذات الصلة.
وثمة أمر سلبي آخر يتعلق بهجرة الأدمغة والمهارات، فمن هذه الأدمغة المهاجرة من لو توجه لإنشاء مبادرة، أو تأسيس عمل في السوق الأردني، أو قيادة منشأة فإنه سيساهم في حل مشكلة البطالة، فليس كل هجرة للعمل في الخارج توفر في المحصلة فرصة عمل مقابلة في الأردن، هناك من الكفاءات من تم الاستثمار فيها دون أن يتحقق عائد مناسب للبلد، وإنّ المحافظة على مثل هذه المواهب والقدرات وتوفير التشجيع لها، ورأس المال المشارك والظروف المناسبة يساهم في تنشيط المبادرات الاقتصادية الحديثة، وتشغيل القوى البشرية. وإذا كانت هناك بالفعل مبادرات في هذا الاتجاه، فإن نشر محصلة عملها، وتطويرها، وتقييم أدائها يساهم في إنجاح هذا المسعى، ويخفف من عثراته.