"أونلاين" تحت الصفر!

تبعث إلي إحدى الأمهات من إحدى قرى محافظة إربد، لتبسط مشكلتها مع التعليم عن بعد، والتحديات التي تواجهها مع أبنائها الأربعة الذين يدرسون معا.اضافة اعلان
اللوعة التي تتحدث بها تلك السيدة، تؤشر بوضوح إلى قدسية التعليم لدى الأردني، والذي من الممكن أن يدفع في سبيله أي شيء تطاله يده. أما المنطق الذي تجادل به وتحاول إيصاله إلى صانعي القرار، فيؤكد الاختلالات العميقة التي يفرزها التعليم عن بعد اليوم.
تقول بلا مقدمات، ولا مواربة: "أمر مدمر. لا أظن أن غالبية الأردنيين تحتمله. منذ الصباح وأنا أحاول مع منصة درسك، لكنها تأبى أن تمنحنا عبورا إليها".
هكذا تبدأ السيدة حديثها الذي لا تتوقف شكواه عند هذه الحدود، بل تكمل طوق التراجيديا، فتقول: "المنصة لا تفتح دائما، وأولادي الأربعة يتفرسون في وجوه بعضهم. كما أن الدخول إليها ليس مجانيا في الأوقات المعلنة كما تقول الحكومة، فأنا انتهى اشتراكنا، وترفض أن تدخلنا إلا إذا شبكنا من اشتراك الجيران".
لن أعلق كثيرا على كلام السيدة، فما أرسلته إلي ينفع أن يكون مقالا كاملا، إذ تواصل الكلام قائلة: "أنا ما عندي 4 تلفونات. بالله عليك من وين أجيب لكل واحد تلفون!".
وتزيد: "الحكومة حين فكرت في التعليم عن بعد، ربما كانت تظن أن أحوال الناس جميعهم مثل سكان غرب عمان، هذا تفكير قاصر، هذا تفكير يظلم غالبية الأردنيين".
في غالبية محتوى ما تبقى من رسالتها، تحاول السيدة التعبير عن هذا التفاوت الكبير بين المجتمعات الأردنية المختلفة. لم يحالفها الحظ أن تقول إن ثمة فجوة رقمية كبيرة بين المجتمعات الأردنية المختلفة التي تحاول وزارة التربية والتعليم أن تقدم لها خدمة مختلفة على مدى فاعلية الاستفادة منها في بيئات متباينة حد القطيعة.
لنعترف إذن أن ثمة ظلما بيننا يقع على شريحة كبيرة من المواطنين، حين نتقصد الظن أن بمقدورهم أن يواكبوا آخر فذلكاتنا الإلكترونية التي نراها طبيعية من مقصورتنا العاجية، بينما هي أقرب ما تكون إلى المثالية صعبة التنفيذ حين نخضعها إلى الموضوعي والممكن.
ثمة عائلات بسيطة لا تقوى على توفير ما تتطلبه الدراسة عن بعد من اشتراطات، وثمة تعجيز كبير تطلبه الوزارة من العائلات. لنتذكر دائما أن هناك عائلات تعيش كل يوم بيوم، إلا أنها تمتلك طموحات كبيرة تحلق بمستقبل أبنائها إلى المالانهاية.
مثل هؤلاء هم من غير وجه الأردن، وحوله إلى طموح كبير لا نهاية له. إن أسقطناهم من حساباتنا فعلينا أن نتأكد من أننا نعمل من أجل طبقة محدودة العدد، وبأننا نحكم على أنفسنا بالفشل، لأننا لا نريد أن نفكر باستراتيجيات قابلة للحياة على امتداد الطبقات.
هؤلاء البسطاء كانوا دائما من استطاعوا أن يصنعوا فرقا واضحا في حياة البلد بأكملها، وبهم نهضنا، واستطعنا أن نصنع علامتنا للجودة والاستدامة.
الآخرون الذين صنعوا خبراتهم وشهاداتهم بعيدا عنا، لم يستطيعوا أن يغيروا المعادلة لصالحنا، فقد امتلكوا دائما طريق هروب لكي يبتعدوا عنا في وقت الحاجة.
نحن لا نعول على كامبردج، ولا هارفارد، ولا سيلكون فالي بجميل مغرياته، ولكننا سنظل نعول على الأردنية واليرموك والهاشمية والبلقاء التطبيقية، لكي تخرج أجيالا يعيشون همنا، ويفكرون من داخل صندوقنا الضيق الذي نعيشه. هؤلاء من نعول عليهم ليقودونا إلى بر الأمان. أما الاستراتيحيات الخربة التي اجتهد بها كثيرون نسوا أوجاعنا، فهي لا تشبهنا.
في اتصال هاتفي أمس مع الأكاديمية وخبيرة المناهج د. روناهي مجدلاوي، لفتت نظري إلى تجربة الهند في هذا السياق، وهي التي تشتمل على أكبر عدد من الفقراء والمعدمين، غير أن الحكومة هناك وفرت الدروس عن طريق الراديو، بالإضافة إلى محطات التلفزة والإنترنت، وقد جاءت تجربة فريدة من نوعها، وتحاول التأسيس لعدالة معقولة في تلقي التعليم.
التعليم عن بعد ممكن، إذا فكرنا بجميع البيئات والطبقات المختلفة. عندها، من الممكن أن نقدم للعالم نموذجنا الذي سنفتخر به.