أين البديل عن "كرت المؤن"..؟!

معظم المتابعين لما تدعى "صفقة القرن" التي يُعدّها ترامب ونسيبه، كوشنر، يقرأون فيها جهدا لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً. ولم يسبق وأن كانت الولايات المتحدة صفيقة هكذا في عرض انحيازها المطلق للكيان الاستعماري في فلسطين، وعدائها الغريب للشعب الفلسطيني. ولعل من أبرز ملامح "الصفقة" المشؤومة، قطع أي صلة للاجئين الفلسطينيين بوطنهم. والوسيلة الأبرز لتحقيق ذلك هي تصفية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين –الأونروا.

اضافة اعلان

لماذا وكالة الغوث؟ ليس لأنها توفر المساعدات لعدد كبير من الفلسطينيين الفقراء في داخل الوطن وخارجه وتعينهم على البقاء فقط، وإنما لأنها الجهة الدولية الرسمية التي لديها سجلات للاجئين للفلسطينيين، والتي تحتفظ بأسمائهم، من الأجداد إلى الأحفاد. ويجري استهداف الوكالة –بهاتين الوظيفتين- كما يلي:

من ناحية، يقرأ المتابعون حرمان الوكالة من التمويل الأميركي والضغط عليها لتخفيض خدماتها وتسريح موظفيها، في إطار المزيد من تجويع الفلسطينيين. والهدف هو أن مفاقمة ألم الفلسطينيين وعوَزهم إلى درجة تجعلهم أكثر استجابة للوعود الاقتصادية التي يبذلها كوشنر بتحسين حياتهم إذا تخلوا عن حقوقهم الإنسانية والتاريخية –التخلي عن حق العودة، والقبول بالاحتلال في الداخل وبالمنفى الأبدي في الخارج. ويبدو أن كوشنر وترامب –بجهلهما الطبيعي بالتاريخ- لم يريا أن العوز الاقتصادي وكل أنواع المعاناة التي فُرضت على الفلسطينيين كل هذه العقود لم تتمكن من قطع صلتهم الطبيعية والوجودية بوطنهم.

ومن ناحية أخرى، وهي الأهم، سوف يعني إغلاق أبواب وكالة الغوث عملياً قتل أول وآخر هيئة دولية تعطي اللاجئين الفلسطينيين وثيقة تصفهم بهذا الوصف. وسوف تذهب مع الوكالة –إذا ذهبت- سجلات اللاجئين الفلسطينيين، ومعها أي قيمة لأي وثائق صادرة عن الوكالة، والتي تحتفظ لهم بهذه الصفة.

لدى الأغلبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم وأحفادهم، بين الوثائق والأوراق الشخصية المهمة، بطاقة التموين الصادرة عن الوكالة، "كرت المؤن". ويفترض أن توثق هذه البطاقة أسماء كل أفراد العائلة، حيث تصدر بطاقة منفصلة للعائلة الجديدة عندما يتزوج الأبناء، ويضيفون إليها بعد ذلك أبناءهم (على طريقة دفتر الأحوال المدنية). وفي السابق، كانت الاستخدامات العملية للبطاقة هي استحقاق العائلة تمويناً شهرياً تتلقاه من مراكز الوكالة، وعلاجاً في عياداتها في المخيمات، والدراسة المجانية في مدارسها الابتدائية والإعدادية ومعاهدها.

الآن، يتدبر عدد كبير من الفلسطينيين أمر تغطية احتياجاتهم المادية من دون الوكالة، ولا يعتمدون على "المؤن" الشهرية والرعاية الصحية التي تقدمها، بينما هناك عدد كبير أيضاً ممن  يعتمدون بشكل أساسي على خدمات الوكالة أيضاً. لكنّ "كرت المؤن" يعني لهؤلاء وهؤلاء "جواز السفر"، أو "دفتر العائلة" الفلسطيني. ويمكنك أن تقول أنك فلسطيني من القرية أو المدينة الفلانية قدر ما تشاء، لكنّ الإثبات المادي على ما تقول، هو "كرت المؤن" بالذات، الذي تستخرجه من ملف وثائقك وتبرزه لتؤكد هويتك.

بالمناسبة، يعرفُ الذين لديهم "كرت المؤن" أن الأعداد التقديرية للاجئين الفلسطينيين على أساس سجلاتهم في وكالة الغوث غير دقيقة، لأن المعظم أصبحوا يتكاسلون عن تسجيل أبنائهم في "الكرت". كما أن آخرين لم يستخرجوه أصلاً، ربما لانتفاء الاستخدامات المباشرة لامتلاكه -وإنما مع علمهم بأن لهم الحق في استخراجه متى شاؤوا. وبذلك، ستكون الأعداد الحقيقية في حال تسجيل كل أبناء وأحفاد اللاجئين الفسطينيين أكبر بكثير من التقديرات.

المشكلة التي كانت دائماً مطروحة، وأصبحت أكثر إلحاحا اليوم، هي: ما العمل إذا تمكنت الولايات المتحدة من إلغاء وكالة الغوث، (وإحالة أدوارها الخاصة بالمساعدات العينية إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كما تقترح مشاريع قوانين جديدة في الكونغرس الأميركي)؟ بطبيعة الحال، لم يفسر أحد كيف ستقدم الوكالة الأميركية مساعدات للاجئين الفلسطينيين، عندما تلغي أميركا صفتهم كلاجئين ولا يعود هناك لاجئون أساساً. والأهم: أين ستذهب سجلات اللاجئين؟ وماذا يتبقى لهم –بخلاف الانتماء العاطفي والتاريخي الثابت- ليوثِّق علاقتهم بفلسطين؟ ماذا سيحدث إذا أصبح "كرت المؤن" مجرد ورقة ليس لها سَندٌ وأصل رسمي، مثل الذي يحمل جواز سفر لدولة غير موجودة؟

كنا نطالب بأن تنشئ "السلطة" أو منظمة التحرير الفلسطينية أو أي مؤسسة فلسطينية نسخة شبيهة بسجلات الوكالة، كضرورة عملية، في حال تمكنوا من اغتيال الوكالة، لا سمح الله. نرجو أن لا يكون الأوان قد فات!