أين المشكلة؟

وعدت حكومات متعاقبة، وعلى مدى سنوات طويلة، بإلغاء نظام الصفوف المختلطة، والذي يعني -لمن لا يعرف- أن طلبة الصف الأول والثاني والثالث، ولربما الرابع، يجلسون في غرفة واحدة لتلقي دروسهم، وتحديدا في المناطق النائية.اضافة اعلان
أيضا، أقسم وزراء التربية والتعليم أغلظ الأيمان بالقضاء على ما اصطلح على تسميته "دوام الفترتين"، وهو لمن لا يعلم أيضاً نظام يوجب تقسيم دوام المدارس إلى فترتين؛ واحدة صباحية وثانية مسائية.
العهود التي قطعتها الحكومات تضمنت وعودا بتحسين مستوى مداخيل المعلمين، والارتقاء بهذه المهنة إلى درجة تحفظ كرامتهم، بشكل يعيد الهيبة لهذه المهنة المقدسة، بعد أن فقدت رونقها وقيمتها نتيجة سنوات من الإهمال الرسمي.
كل هذه الوعود والعهود تبخرت، ولم يتحقق منها ولو جزء يسير، حتى جاءت لحظة كانت حاسمة في تاريخ من يخرّجون الأجيال، فخرجوا عن صمتهم وقهرهم ليقولوا للجميع إن التعامل معهم بذات الأسلوب لم يعد ممكنا.
ولم يتوقف تأثير السياسات عند حدود قتل الطموح لدى رواد هذه المهنة، الذين يعلمون أن من يكتب عليه أن يصير معلما سيحيا ويموت وهو في معاناة ليس لها أول من آخر، حتى صار الأردنيون ينأون بأنفسهم عن هذه المهنة التي باتت تصنف ضمن المهن المتواضعة.
الضحية الثانية للسياسات الرسمية هم الطلبة، جيل المستقبل كما يقال، الذي نعول عليه في بناء مستقبل مشرق. وهذا ما لن يتحقق طالما بقي التعامل مع قطاع التعليم وتطويره يتم بهذه العشوائية، وبدون تخطيط أو هدف واضح.
فبعد أن كانت التقارير المحلية والإقليمية والدولية تتغنى بالمستوى الرفيع لخريجي النظام التعليمي الأردني، صرنا اليوم في وضع مختلف تماما، وبتنا نسمع كثيرا من الملاحظات حول افتقاد الطلبة إلى أدنى معايير التعليم الجيد.
وساهم تراجع القيمة الاجتماعية للمعلم والتعليم، في زيادة أعداد المتسربين من المدارس، لأسباب ترتبط بتراجع القطاع ككل، وأخرى تتعلق بصعوبة الظروف الاقتصادية التي تضطر كثيرا من الطلبة إلى هجر مدارسهم سعيا وراء عمل يوفر لهم بضعة دنانير يوفرون بها بعضا من احتياجات أسرهم الفقيرة.
مربك للطالب والمعلم، على حد سواء، أن يتواجد طلبة الصفوف الأساسية الثلاثة الأولى في غرفة واحدة، فتجد المعلم مشتتا بين منهاج الصفوف الثلاثة، والطلبة ليسوا أحسن حالا.
ومربك أن يقضي المعلم النصف الأخير من كل شهر وهو يحاول بشتى الطرق أن يوفر متطلبات أسرته، بعد أن انزلق هو وكثير من رفاقه إلى ما دون خط الفقر.
ومربك المستوى الضعيف لخدمات التعليم التي يحصل عليها الطالب، لدرجة أثرت على سمعة خريجي المدارس الحكومية إلا من رحم ربي، كونهم لا يمتلكون أقل المهارات الضرورية لدخول سوق العمل، أو استكمال مسيرة التعليم بالانخراط في الجامعات الرسمية.
المشكلة أن كل الظواهر السلبية السابقة رافقها نمو الإنفاق على التعليم منذ العام 2006 بشكل واضح، حيث خصص له نحو نصف مليار دينار في العام 2006، ليرتفع في العام 2011 الى مبلغ  810 ملايين، وصولا الى ما قيمته 821 مليون دينار في العام 2012، بنسبة تصل إلى 12 % من إجمالي حجم الموازنة العامة التي تبلغ 6.8 مليار دينار، فأين المشكلة؟
مجددا، المشكلة تتمثل في سوء توجيه الإنفاق، وأوجه الإنفاق الخطأ، وهي كثيرة ولم يجر إصلاحها منذ زمن طويل.

[email protected]