أين ستذهب السياسة العدوانية بتركيا؟

دبابة تركية في شمال غرب سورية - (أرشيفية)
دبابة تركية في شمال غرب سورية - (أرشيفية)
تقرير – (أحوال تركية) 2/8/2020 أنقرة – إلى أين يأخذ أردوغان بلاده بسياساته غير المسؤولة، واعتداءاته المستمرة على الآخرين جميعا دون استثناء؟ هل تنفع سياسة الهروب إلى الأمام في تجنب الوقوع في أزمات متتالية أم أنها محاولة يائسة للخروج من الأزمة العاصفة التي تشدد الخناق عليه وعلى نظامه؟ إلى أي حد قد يتمكن أردوغان من اتباع أسلوب الدفع باتجاه مزيد من التوتر والتصعيد من أجل تحصيل الامتيازات والمكتسبات؟ يدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده إلى خانة الاعتداء على دول الجوار، وعلى الحلفاء والشركاء معاً، باتباعه سياسات عدوانية تستهدف النيل من الجميع، من دون إيلاء اعتبار للمسؤوليات التي يجب أن تتحلّى بها الدول تجاه بعضها بعضاً، ومن غير أن يحفظ حرمة العلاقات التاريخية بين الدول. تركيا اليوم ضالعة في عدد من الصراعات العسكرية الدولية، ضد الدول المجاورة لها مثل اليونان، وأرمينيا، والعراق وسورية، وقبرص، وكذلك ضد دول أخرى مثل ليبيا واليمن. وتوصف السياسة الخارجية التركية بأنّها تزعزع الاستقرار بصورة متزايدة -ليس لدول بعينها فقط، بل وللمنطقة ككل. هناك عدد من الأزمات المتشعّبة دولياً التي لأردوغان يد فيها بطريقة أو أخرى، وتراه مساهماً بتأجيجها أو افتعالها من أجل التغطية على هزائمه الداخلية وإسكات معارضيه بحجة استهداف البلاد خارجيا، والدخول في حروب ونزاعات باستمرار بذريعة الأمن القومي. لم يعد أردوغان يكتفي بالاعتداءات اللفظية والإعلامية والدعائية على الدول المجاورة لتركيا، وحتى تلك البعيدة عنها جغرافياً، بل انتقل إلى مرحلة التعدي عليها سياسيا واقتصاديا وعسكريا. يظهر أردوغان تركيا في محيطها الإقليمي كدولة مارقة تتسبب بالعنف والخراب أينما حلت، وتساهم في تأجيج الحروب والأزمات وتخريب البنى التحتية عبر التدخل في شؤون الدول، ودعم جماعات متشددة موالية لها من خلال ذراعها السياسي الممثل بالإسلاميين. يستهدف نظام أردوغان عسكريا سورية والعراق، ويرسل المرتزقة السوريين إلى ليبيا للاستيلاء على النفط، ويواصل كالعادة التنمر على اليونان. كما يقوم النظام التركي حاليا بتأجيج العنف الدائر بين أرمينيا وأذربيجان. ويقوم أردوغان بالاعتداء على عدد من الدول العربية عبر التدخل في شؤونها الداخلية بشكل يثير الاستنكار، وقد صرحت وزارة الخارجية المصرية في بيان مؤخرا الانذار الملاحي الذي أصدرته تركيا الشهر الماضي بشأن أعمال المسح السيزمي يتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر "ويشكل انتهاكا واعتداء على حقوق مصر السيادية في منطقتها الاقتصادية الخالصة فى البحر المتوسط". كما استنكرت وزارة خارجية مملكة البحرين التصريحات العدائية لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة، واعتبرتها استفزازا مرفوضا يتناقض مع الأعراف الدبلوماسية. وأكدت على "تضامن مملكة البحرين مع شقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، ووقوفها صفا واحدا مع الإمارات في موقفها الثابت بشأن التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتي تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق منظمة التعاون الإسلامي، وتمثل تهديداً للأمن القومي العربي والأمن والسلم الإقليمي". ودعت الإمارات العربية المتحدة تركيا إلى الكف عن التدخل في الشأن العربي والتخلي عن "الأوهام الاستعمارية" و"منطق الباب العالي"، بعد تصريحات عدوانية لوزير الدفاع التركي تجاه الإمارات. وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة على "تويتر"، "منطق الباب العالي والدولة العلية وفرماناتها مكانها الأرشيف التاريخي. العلاقات لا تدار بالتهديد والوعيد، ولا مكان للأوهام الاستعمارية". واعتبر قرقاش أن "التصريح الاستفزازي لوزير الدفاع التركي هو سقوط جديد لدبلوماسية بلاده"، مشيرا إلى أنه "من الأنسب أن تتوقف تركيا عن تدخلها في الشأن العربي". وكان أكار قد شن في تصريحات لقناة الجزيرة هجوما على الإمارات العربية المتحدة، وقال إنها قامت بأعمال مضرة في ليبيا وسورية، وستحاسبها تركيا على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين. وتابع وزير الدفاع التركي أنه " إذا لم توقف الإمارات والسعودية ومصر وروسيا وفرنسا دعمها للواء المتقاعد خليفة حفتر، فلن تنعم ليبيا بالاستقرار، داعياً إلى دعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً". وفي 17 حزيران (يونيو) شنت تركيا عملية عدوانية على شمال العراق أسمتها عملية "مخلب النمر" في منطقة "حفتانين" بذريعة محاربة عناصر حزب العمال الكردستاني، لكنها تسببت بمقتل العديد من المدنيين في المنطقة، وعملت على إثرها على إقامة قواعد عسكرية لها هناك بما يشبه الاحتلال المباشر. وفي سورية تواصل الحكومة التركية دعم الميليشيات الإسلامية المعارضة الموالية لها في منطقة إدلب، والمناطق التي تسميها بمناطق درع الفرات ونبع السلام، كما أنّها تستغلّ ميليشيات المعارضة السورية من أجل استخدامها للقتال كمرتزقة في ليبيا إلى جانب ميليشيات الوفاق في طرابلس، وبلغ عدد المرتزقة السوريين في ليبيا أكثر من 17 ألف مرتزق حتى الآن بينهم مئات الأطفال، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وفي اليمن كذلك تحاول تركيا العبث بالأمن الداخلي، والتدخّل في الشؤون اليمينة، عبر الاستثمار في حزب الإصلاح الذي يعد ذراعا لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن. وتعدّ اليونان أحد الأهداف الرئيسية لتركيا. ومرة أخرى يستهدف الجيش التركي المياه الإقليمية اليونانية. وفي 21 تموز (يوليو) ظهرت التوترات من جديد في أعقاب إعلان تركيا أنها تخطط للقيام ببحث زلزالي في أجزاء من الجرف القاري اليوناني في منطقة في البحر ما بين قبرص وكريت في بحر إيجه والبحر المتوسط. ومع فرنسا، العضو في حلف الناتو، افتعلت أنقرة مشاكل سياسية وعسكرية، وقبل أيام تحرشت البحرية التركية بسفينة فرنسية في المتوسط، كما أنّها منعت سفناً أوروبية من تفتيش سفنها التي تخترق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها بسبب انتهاكاتها للمياه اليونانية والقبرصية وقال إن على الاتحاد التحرك فيما يتعلق بالأزمة في ليبيا. وهناك خلاف بين تركيا واليونان على مطالبة كل منهما بأحقيته في احتياطيات للغاز الطبيعي والتي تسلطت عليها الأضواء بفعل محاولات قبرص، عضو الاتحاد الأوروبي، للتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط وسط اعتراضات قوية من تركيا. وجاءت تصريحات ماكرون في وقت يشهد توترا في العلاقات بين باريس وأنقرة، العضوين في حلف شمال الأطلسي، واتهامات متكررة من باريس لأنقرة بسبب دورها في ليبيا. وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا في 13 تموز (يوليو) الماضي على إعداد قوائم إضافية في إطار العقوبات الحالية المفروضة على أعمال الحفر التي تقوم بها تركيا في شرق المتوسط بناء على طلب من قبرص. وفي سياق تأجيج الكراهية والعنصرية، وبحجة الدفاع على الإسلام، أمر أردوغان بتحويل متحف آيا صوفيا، التحفة المعمارية التي شيدت في القرن السادس، إلى مسجد، وكان هذا المعلم التاريخي موقعا يكتسي أهمية كبرى للمسلمين والمسيحيين على السواء. فقد كان كنيسة بيزنطية قبل تحويلها إلى مسجد عندما سيطر العثمانيون على القسطنطينية في العام 1453. وفي 1934، حولها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال إلى متحف لجعلها رمزا لتركيا العلمانية. وأثار هذا الإجراء انتقادات دولية واسعة، كما أثار غضب اليونان التي تراقب بشكل وثيق مصير الإرث البيزنطي. وأعرب البابا فرنسيس أيضا عن "حزنه الشديد" من الخطوة. هذا غيض من فيض من اعتداءات أردوغان وتعدياته السافرة على دول الجوار والحلفاء، وهو يندرج في إطار السياسة العدوانية التي ينتهجها منذ سنوات في مسعاه لفرض إملاءاته وشروطه على الجميع من أجل إنقاذ نفسه من المحاسبة اللاحقة التي تدعو المعارضة التركية إليها. فإلى متى يمكن للأتراك أن يسكتوا على هذا الخراب الذي يتسبب به أردوغان لبلادهم وعلاقاتهم مع العالم؟اضافة اعلان