إجراءات الحكومة الأخيرة

سلامة الدرعاوي

قلنا سابقا ان أولويات الحكومة العاجلة في الوقت الراهن تنحصر في ثلاث أولويات هي: تأمين الرواتب وخدمة الدين، وتوفير المخصصات الكافية لتمويل المجهود الصحيّ لمواجهة تداعيات كورونا، واستدامة التمويل لنفقات المؤسسات الرسميّة المختلفة.اضافة اعلان
هذه الأولويات الثلاث لا يمكن توفيرها بالكامل بالاعتماد على الذات أبداً، أي انه لا يمكن توفير مخصصات لها من إيرادات الخزينة مباشرة، وهذا بسبب ان الموازنة قبل المساعدات تعاني من عجز مزمن يزيد على الملياري دينار، والحكومة بحاجة إلى ما يقارب الـ580 مليون دينار شهريا لتمويل نفقاتها والتزاماتها، علما ان إيراداتها الشهريّة لا تتجاوز الـ430 مليون دينار شهريا من ضرائب ورسوم وجمارك، والباقي عجز مالي يتم استدانته من السوق المالية والخارجية على حد سواء، وهذا الأمر ليس بجديد، وإنما هو سلوك مالي منذ عقود، بمعنى ان الخزينة لا تمتلك أي مخصصات إضافية لمواجهة أي مستجدات طارئة، وإذا ما واجهتها مشكلة ماليّة لها أعباء مالية فإنها بالعودة إما ان تلجأ لفرض رسوم وضرائب جديدة او الاقتراض بأنواعه المختلفة.
في جائحة كورونا وتداعياتها المالية على مختلف القطاعات العامة والخاصة، والحاجة لأموال تدعم استقرار الاقتصاد الوطنيّ وتوفر حماية نسبية لأي قطاعات وأفراد متأثرة بالوباء، وفي ظل التعهد بعدم رفع الضرائب هذا العام، فقد لجأت الحكومة للاقتراض لمواجهة الاعباء المالية التي لحقت بالاقتصاد الوطني بشقيه، وكانت حصيلة الاقتراض المباشر العام الماضي ما يزيد على الـ2.2 مليار دينار منها ما يقارب الـ1.5 مليار دينار قروض خارجية وتحديداً بواسطة سندات اليورو بوند، والباقي اقتراض داخلي عن طريق السندات.
والأمر قد يكون مشابها لهذا العام حيث تأخرت اللقاحات وعادت الإغلاقات والحظر الشامل والجزئي، مما يعني خسارة الخزينة لإيرادات قد قدرتها في موازنة العام الحالي، وبنفس الوقت الاعباء تزداد يوماً بعد يوم على شريحة واسعة من الأفراد والعاملين تحديدا في القطاع الخاص، إضافة لاستمرار عمل توقف قطاعات عن العمل، وتراجع انشطة بعضها، كُلّها جعلت من الحكومة تبحث عن إجراءات لحماية وصمود هذه القطاعات من الانهيار الفعلي، وهي ضمن الإمكانات المالية للدولة التي تعاني من عجز مالي مزمن، فالإجراءات الأخيرة التي أعلنت عنها الحكومة الاسبوع الماضي هي ليست اجراءات للتحفيز او للثراء الاقتصادي، وإنما هي تحرك إيجابي للمشاركة في الاعباء المالية مع الشرائح التي عانت من تداعيات كورونا بشكل مباشر.
صحيح ان المخصصات المالية لهذه الإجراءات غير كافية مع حجم الأعباء الذي ترتب على عدد من القطاعات خاصة المتوقفة منها عن العمل، لكنها كما تحدثنا سابقا هي إجراءات للصمود لحين عودة القطاعات للعمل من جديد واستعادة الاقتصاد نشاطه الطبيعي بعد تحصينه من الكورونا.
الخزينة لا تمتلك الأموال الإضافية لصرفها على أي جوانب غير بنود الموازنة العامة بعد تنفيذ أولوياتها الثلاثة السابقة، وقدرتها على التحرك المالي محدودة ان لم تكن شبه معدومة، فكل ما استطاعت توفيره للحماية الاجتماعية واستدامة العمل في القطاع الخاص لا تتجاوز الـ208 ملايين دينار، وجزء منها منحة مالية استثنائية من احدى الدول المانحة الأجنبية الصديقة، وليست من إيرادات الخزينة كما يتصورها البعض.
باقي الإجراءات وهي المتعلقة بسداد جزء من المتأخرات للشركات كمثل المصفاة والادوية ودفع الاستملاكات والرديات فهذه إجراءات طبيعية ومستحقة على الحكومة لها الأثر الإيجابي على تلك الشركات مباشرة من حيث توفر السيولة لديها مما يمكنها من مواصلة أنشطتها بالشكل المطلوب، ورغم أنها واجبة على الحكومة توفير هذه المتأخرات الا انها ايضا جزء من اقتراض خارجي وفره صندوق النقد الدولي للحكومة بعد مراجعته الإيجابية لبرنامجه الهيكلي مع الأردن، لتتمكن الحكومة من الحصول على تمويل إضافي في ظل تسهيلات البرنامج الممتد لأربع سنوات بما مقدارها 140 مليونا دينار تقريباً.
إجراءات الحكومة الماليّة ورغم ان محدوديتها من حيث الحجم الا انها بحاجة إلى مشروع ملحق موازنة، لأنه في انفاق مباشر جديد على بندين رئيسين هما الصحة والحماية الاجتماعيّة.
أزمة كورونا طاحنة وعميقة على الاقتصاد الوطنيّ المثقل بالأعباء، والعودة إلى اتجاهات النمو ستكون محكومة بما يحدث من تطورات الوباء في العالم، والكلّ يعول على سرعة انتشار اللقاح ووصوله لأكبر شريحة في العالم، فأخذه مع الالتزام بمعايير الوقاية والسلامة الصحية هما الكفيلان بإعادة الحياة والنشاط الاقتصاديّ لطبيعتهما، فنحن نتعرض لحرب خفية عطلت موارد الدول واستنزفت قواها ولم تسلم منها اي جهة كانت.