إحياء وزارة الإعلام خطوة تنظيمية أم هروب إلى وراء

تحليل إخباري

عمان- يلتقي رئيس الوزراء اليوم بعدد من الإعلاميين للحوار حول ملف الإعلام. في وقت يتصاعد فيه السجال السياسي من جديد حول طريق النهوض بالإعلام الرسمي وتطوير الإعلام الأردني ليكون قادراً على المنافسة الإعلامية من جهة ورافعة أساسية لصورة الوطن ودوره ورسالته من ناحية أخرى.

اضافة اعلان

فثمة شعور رسمي بسيادة "فوضى" في المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة من جهة، وبقصور في دور الإعلام، وتعدد في المرجعيات الإعلامية والسياسية، ما يخلق تضارباً وغموضاً حول الموقف الرسمي تجاه العديد من القضايا. 

وتيرة النقد الرسمي والسياسي للإعلام ودوره ارتفعت بصورة ملحوظة خلال الأسابيع الأخيرة تحديداً، بعد أزمة الإشاعات والاضطراب والغموض الإعلامي الذي أحاط بالموقف من مسألة بيع اراضي القيادة العامة الجديدة والمدينة الطبية، إذ حمّل بعض السياسيين الإعلام دوراً في المبالغة والتهويل حول عمليات البيع والخصخصة، فيما رأى آخرون أنّ المشكلة تكمن في الإعلام الرسمي الذي لم يقدّم الرواية الحكومية بصورة قوية وفاعلة.

على الرغم أنّ كلاًّ من النائب د. ممدوح العبادي وأستاذ الإعلام بجامعة الحسين د. باسم الطويسي لا ينكران وجود "ازمة اعلامية" إلاّ أنّهما يرون "أنّ هنالك تضخيماً ومبالغة في تصوير هذه الأزمة، وفي تحميل الإعلام مسؤولية أخطاء المسؤولين".

يذهب العبادي، ويشاركه الرأي وزير إعلام سابق مروان دودين، إلى خيار إحياء وزارة الإعلام.

فمن جهته؛ يؤيد دودين عودة وزارة الإعلام باعتبارها "مظلة للمؤسسات الإعلامية المختلفة لتتمكن من تعزيز الرواية الرسمية وتقديمها في مقابل القصص الإعلامية المشوهة للأوضاع السياسية الداخلية والدور الأردني".

ويرفض دودين أن يكون لوزارة الإعلام أية "سلطات قمعية على المؤسسات الإعلامية". ويؤكد، من خلال خبرته الشخصية، أنّ الوزارة تقليدياً لم تلعب دور الرقيب أو الحسيب بقدر ما كانت تقوم بـ"عملية تنظيم وإشراف وقناة تواصل حيوية ومهمة بين صانع القرار السياسي والقائمين على المؤسسات الإعلامية في تبادل المعلومات وتقديم المعطيات المطلوبة لصناعة القصة الخبرية حول السياسات الداخلية والخارجية".

وفقاً للعبادي؛ فإنّ "المؤسسات الإعلامية الرسمية متشرذمة، ليس لها مرجعية واحدة". ويرى أنّ الغاء وزارة الإعلام كان "سابقاً لأوانه ومحاكاة شكلية للغرب". فالإعلام هنالك "أكثر نضوجاً وتجذراً، ولدى المجتمع المدني والقطاع الخاص والهيئات المختلفة قدرة على بناء مؤسسات إعلامية راسخة وقوية، وهي الحالة التي لم نصل إليها بعد في الأردن".

ويرى العبادي أنّ المطلوب وجود وزارة إعلام تقود المجتمع والحالة الإعلامية نحو النضج والأهلية، في المرحلة الحالية إلى أن يحين الوقت المناسب للاستغناء عنها والاعتماد على القطاع الخاص والمجتمع نفسه.

على الطرف الآخر؛ يرى الزميل الإعلامي أيمن الصفدي، الذي عمل مديراً للعديد من المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، أنّ فكرة عودة وزارة الإعلام هي بمثابة "هروب إلى وراء، إلى المربع الأول، بدلاً من مواجهة شروط عملية بناء إعلام مهني فاعل".

لكن ماهي شروط بناء إعلام مهني فاعل؟ يجيب الصفدي بأنّ المطلوب "إجراءات تشريعية تمنح وتؤكد حق الحصول على المعلومة، وإجراءات تشريعية تضع معايير وأسس واضحة لما هو مقبول مهنياً وما هو غير مقبول، بحيث يتم التعامل مع القضايا المنهية على أساس قانوني وقضائي سليم، ما يدفع إلى إصلاح القضاء بمنحه مرونة وكفاءة أكبر في التعامل مع القضايا الإعلامية".

لكن، وفقاً للصفدي، فإنّ الأهم في شروط إطلاق الإعلام "وجود قرار سياسي يعترف بأنّ الإعلام شرط أساسي في التقدم والتنمية، ما يقتضي تغيير العقلية الرسمية في التعامل مع الإعلام، وبالتحديد في معيار حرية الإعلام والحق في الحصول على المعلومة".

ويميّز الصفدي بين وسائل الإعلام التي من الضروري أن تتمتع بالحرية وحق الحصول على المعلومة وبين الإعلام الحكومي "الذي تتمثل وظيفته الرئيسة في تسويق السياسات الحكومية والرسمية للمجتمع والرأي العام".

ويرى الصفدي أنّ هنالك إخفاقاً رسمياً في "تطوير أدوات فاعلة وفي بناء سياسات إعلامية قادرة على نقل الرسائل المطلوبة وتسويقها لدى الرأي العام".

المشكلة، كما يرى الصفدي، أنّ الحكومات، في مرحلة من المراحل، لم تمتلك أدوات فهم المجتمع، وفقدت قنوات التواصل بينها وبين المجتمع والرأي العام، ما أدى إلى حالة من الغموض والبلبلة وفقدان المعلومة الصحيحة.

أمّا المؤسسات الإعلامية التي قامت مقام وزارة الإعلام، فيرى الصفدي أنّها تفتقد إلى "رؤية واضحة لصلاحياتها وأدوارها المطلوبة"، وعندما فقدت الرؤية أصبح الهاجس الرئيس البحث عن دور لها؟!

يوافق د. باسم الطويسي على عدم جدوى إحياء وزارة الإعلام، فهي "فكرة تجاوزها الزمن، والدور الذي يمكن أن تقوم به سيكون محدودا وغير فاعل في ظل انفجار الإعلام الخاص، من إذاعات وصحف ومواقع الكترونية وفضائيات محلية خاصة".

المطلوب، وفقاً للطويسي، أن يتم تقوية المجلس الأعلى للإعلام للقيام بالتنمية الإعلامية المجتمعية، وذلك من خلال تزويده بالكفاءات الإدارية والفنية والإمكانيات المالية ومنحه قوة التأثير المطلوبة بصفته "بيتاً للخبرة الإعلامية، يساهم في تقديم تصور عن المشهد الإعلامي وخارطته، ويزود صانع القرار والمجتمع بوثيقة سنوية حول حالة الإعلام، ما يساعد على صناعة القرارات وسن التشريعات الملائمة والمناسبة".

المطلوب، وفقاً للطويسي، إطلاق الحريات الإعلامية من جهة، واعتماد الحكومة على كوادر متخصصة قادرة على صناعة وتسويق سياساتها من جهة أخرى، وإحالة مهمة التنمية الإعلامية المجتمعية إلى المجلس الأعلى للإعلام ليقوم بدوره التنموي المطلوب.