إسرائيل.. أعباء الاحتلال

فلسطينيون وناشطون يحتجون على بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية -(أرشيفية)
فلسطينيون وناشطون يحتجون على بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية -(أرشيفية)

رونالد كيربس* – (الواشنطن بوست) 24/10/2011   

ترجمة: علاء الدين أبو زينةاضافة اعلان
بينما يتلبث المسعى لإقامة دولة فلسطينية في الأمم المتحدة، يبدو أولئك الذين يحملون فعلاً مصير الفلسطينيين في أيديهم -شعب إسرائيل- وهم أكثر تشاؤماً من أي وقت مضى بشأن آفاق السلام.
ووفقاً لمسح نشر في أواخر أيلول (سبتمبر)، فإن ثلثي الإسرائيليين لا ينطوون على أي أمل في تحقيق السلام مع الفلسطينيين. لكن الاستطلاع كشف أيضاً عن وجود نقيض مدهش: هناك 88% يقولون إن إسرائيل هي مكان جيد للعيش فيه. وربما تكون إسرائيل معزولة دبلوماسياً أكثر من أي وقت مضى منذ الأيام المظلمة في عقد السبعينيات، ولكن، مع ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي وبوضع الإرهاب تحت السيطرة إلى حد كبير، فإن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يعتقدون بأنهم يستطيعون العيش مع الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى، فيما يبدو.
لكنهم لا يستطيعون. إن مستقبل إسرائيل -كدولة يهودية ديمقراطية ومزدهرة- يواجه تهديدات حقيقية، والتي تأتي من الداخل أكثر مما تأتي من الخارج. صحيح أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يهدد إسرائيل، ولكن ليس على النحو الذي يصوره اليمين الإسرائيلي، من أن الفلسطينيين المتشددين، بل وحتى المعتدلين ظاهرياً، يخططون لإلقاء اليهود في البحر. بدلاً من ذلك، يهدد الصراع إسرائيل بسبب الفوضى التي ظلت تعيث في السياسة الداخلية للبلاد.
أولاً وقبل كل شيء، أثار استمرار الاحتلال نزعة قومية عرقية-دينية عدوانية، والتي أصبحت تبرز بشكل متزايد منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ويحدث هذا في الغالب لأن الإسرائيليين أصبحوا قانطين إزاء آفاق السلام: إنهم يعتقدون بأن إسرائيل حاولت كل شيء لوضع حد للصراع، وبأنها كوفئت على ذلك بالإرهاب، والمقاطعة، والازدراء العالمي. ولم يشعر الإسرائيليون بهذا حديثاً، وإنما ناضلوا ضده طوال جيل كامل.
لقد أفضى إحساس البلد المقيم بالقلق إلى دعم حظوظ وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وحزبه القومي المتطرف، (إسرائيل بيتنا)، من بين آخرين. وإلى جانب حلفائهم من حزب الليكود اليميني وكاديما المعتدل ظاهرياً، حاول أعضاء حزب إسرائيل بيتنا إسكات صوت المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية التي تركز على حقوق الإنسان والحريات المدنية. ومرر هؤلاء القوانين التي تسعى إلى تقييد حق المواطنين الإسرائيليين في الاحتجاج على الاحتلال من خلال حملات المقاطعة. كما أبقوا على موضوع استقلال المحكمة العليا حاضراً في أذهانهم أيضاً. ويبدو أن حصون إسرائيل ضد قوى القومية الليبرالية آخذة في التداعي بلا توقف.
ومن بين ضحايا هذه النعرة العرقية المتزايدة، هناك المواطنون العرب في إسرائيل، الذين يشكلون اليوم أكثر من 20% من سكان البلاد. ومع خضوعهم طويلاً للتمييز، عانى المواطنون العرب أيضاً في العقد الماضي من العداء المتزايد من جانب الحكومة الإسرائيلية. ومنذ العام 2009، قدم أعضاء الكنيست من الأحزاب الثلاثة الأكبر مجموعة هائلة من القوانين التي تميّز ضد العرب، من الولاية التي تلزم جميع المهاجرين الجدد بأداء قسم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية، إلى قانون من شأنه أن يلغي اللغة العربية كلغة رسمية.
ليس من المستغرب، إذن، أن المواطنين العرب وصلوا إلى الشعور بأنهم لن يُعاملوا أبداً بعدالة في إسرائيل معرّفة على أنها دولة يهودية. وفي العام 2009 نظر أكثر من النصف إلى إسرائيل يهودية وديمقراطية على أنها دولة عنصرية في جوهرها، وأيد ما يقرب من 75% استخدام جميع الوسائل القانونية لتحويل إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة ثنائية القومية.
من الصعب أن نرى كيف يمكن للمواطنين اليهود والعرب الهروب الخروج من دوامة انعدام الثقة والاستفزاز المتبادلين، ما دام الاحتلال يواصل بناء خطاب إسرائيل السياسي. وقد أعاق الاحتلال قيام حوار وطني جاد حول الكيفية التي يجب أن تعالج بها إسرائيل التوترات العرقية والدينية المتأصلة بين هوياتها العرقية-الدينية وهوياتها المدنية.
أخيراً، أدى الاحتلال إلى تفاقم التحدي الذي يشكله اليهود الأصوليون (الحريديم) على ازدهار إسرائيل. وقد عمدت أحزاب الحريديم، تاريخياً، إلى استغلال الانقسامات حول مستقبل أراضي إسرائيل لتصبح وكيلاً حراً لصناعة القادة، حيث تبيع دعمها للتحالفات الحاكمة ذات الميول اليسارية أو اليمينية في مقابل إعانات مالية هائلة.
ويضع الحريديم أعباء كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي لا تني تتزايد، وتتسبب بالقلق الكبير لأولئك المسؤولين عن مستقبل إسرائيل الاقتصادي. لكن هذا القلق لا يمكن أن ينتهي طالما ظلت الحكومات الإسرائيلية تنهض أو تسقط اعتماداً على دعم الأحزاب الأصولية.
يقف الاحتلال في وسط هذه التحديات التي تواجه مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية مزدهرة. لكن إسرائيل لم تفقد كل شيء، مع ذلك. ما يزال بوسع تحالف حاكم وسَطي أن يوقف انزلاق إسرائيل باتجاه التوجهات المعادية لليبرالية، وأن يعرض على مواطنيه العرب الأمل بالعدالة والمساواة، وأن يلزم سكانه الأصوليين بكسب معاشهم بدلاً من العيش على إعانات الدولة وخارج الدولة. لكنها حتى تفعل ذلك، فإن إسرائيل أن تنسحب أولاً من الضفة الغربية، وأن تحل الصراع مع الفلسطينيين.
بطبيعة الحال، لا تستطيع إسرائيل إنهاء الاحتلال وحدها. وقد أخفقت القيادة الفلسطينية المطلوبة غالباً في التحقق. لكن التزام إسرائيل بالسلام كان في كثير من الأحيان فاتراً جداً أيضاً. ويتعين على زعمائها بذل كل ما في وسعهم لإنهاء الصراع –من أجل ضمان بقاء إسرائيل نفسه كدولة يهودية وديموقراطية ليبرالية كما توخاها مؤسسوها.

*أستاذ مشارك في العلوم السياسية في جامعة مينيسوتا. وهناك نسخة من هذه المادة في العدد 2011 نوفمبر / ديسمبر من الشؤون الخارجية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel's Occupational Burdens