إسرائيل مشروع علماني غربي

 الحركة الصهيونية ليست جزءا من التاريخ اليهودي وإنما هي جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية، فهي الحل الاستعماري للمسألة اليهودية.

اضافة اعلان

لم يكن اليهود المؤسسون للصهيونية وإسرائيل متدينين، وفي عرضه لسيرته وطريقة تفكيره لا يقدم  الدكتور عبدالوهاب المسيري فقط مراجعة وتحليلا لفكرة البروتوكولات ولكنه يضيف أيضا أدوات معرفية مهمة في فهم قيام دولة إسرائيل وعلاقتها بالغرب تصلح لمناقشة فكرة يهودية الدولة القائمة اليوم.

كان تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية علمانيا، ولم تكن زوجته يهودية، وقد تنصر أولاده من بعده. وكان يحتفل بعيد الميلاد (الكريسماس) ولم يكن يتناول الكوشير (الطعام اليهودي وفق الشريعة اليهودية). وكان من الناحية الثقافية ابن عصره الغربي، فكان يجيد الألمانية والإنجليزية والفرنسية والمجرية، ولم يكن يعرف العبرية. واضطر إلى أداء الصلاة اليهودية لأول مرة في المؤتمر الصهيوني مجاملة للحاخامات المشاركين. وتعلم بعض الكلمات العبرية، وقد بذل -حسب قوله- مجهودا كبيرا كي يتعلمها يفوق الجهد الذي بذله في إدارة جلسات المؤتمر. ولا يمكن لشخصية مغرقة في العلمانية وصفها المؤرخون اليهود بالسطحية ووقفت في وجهه المؤسسة الدينية والمالية اليهودية أن يكون هو صاحب البروتوكولات، علاوة على أنه لم يكن يملك موارد مالية.

ولكن يمكن أن يقال: كيف استطاع الوصول إلى رئاسة الحركة الصهيونية؟ الواقع أن هرتزل تعود خبرته ليس إلى معرفته باليهود، وإنما بالشخصيات الاستعمارية وموازين القوى العالمية والتشكيل الاستعماري الغربي.

اكتشف هرتزل أنه يمكن للغرب التخلص من اليهود عبر تحويل هجرة اليهود من العالم الغربي إلى مكان ما خارج حدوده، حيث يمكن توظيفهم لصالح الغرب الذي لفظهم، وهذه هي المفارقة الكبرى في حالة الصهيونية.

 وقد أدرك هرتزل أنه لا بد من اللجوء إلى الاستعمار الغربي باعتباره الآلية الوحيدة لتنفيذ مشروعه الاستعماري الاستيطاني الإحلالي، فقام بتأسيس المنظمة الصهيونية ليفاوض القوى الاستعمارية باسم يهود العالم، ولكن منظمته لم تكن تمثل إلا أقلية من اليهود لا يعتد بها، فكان العنصر الحاسم هو الدولة الاستعمارية الراعية وليس المنظمة، فتجاهل منظمته، وبدأ بحثه الدائب عن قوة غربية ترعى المشروع.

ولم يكن المؤتمر الصهيوني الذي عقد في بال عام 1897 ونسجت حوله الأساطير مؤتمرا سريا خطيرا، ولكنه نشرت وثائقه في الصحف، وحضره حوالي 250 شخصا أسماؤهم جميعا ووظائفهم معروفة، وكان معظمهم من يهود أوروبا الشرقية وينتمون إلى جمعية صهيونية واحدة، وكان معظم الحضور من الطبقة الوسطى وربعهم من رجال الأعمال والباقي من الأدباء والطلبة. وكان بينهم ملحدون واشتراكيون وأحد عشر حاخاما، فقد كانت المرجعية الدينية اليهودية تحرم العودة إلى فلسطين. وقد وصف روتشيلد هذه المجموعة بأنهم مجموعة من الصغار والشحاذين والمغفلين الذين يقودهم هرتزل.

كان هدف المؤتمر المعلن هو إقامة وطن قومي لليهود ترعاه واحدة أو أكثر من الدول الكبرى، وكان المؤتمر وكذلك المؤتمرات التالية علنية حضرها مراقبون غير يهود وممثلون لوسائل الإعلام، وقد عقد المؤتمر الرابع والثلاثون في  حزيران (يونيو) 2002.

وأصبح الحديث عن سيطرة اليهود واللوبي الصهيوني على الإعلام ومؤسسات صنع القرار في الغرب من ثوابت الخطاب السياسي والإعلامي العربي، ولكن السيطرة الإعلامية سببها الحقيقي هو أن الصهيونية جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، ولم تكن هذه السيطرة بسبب الثراء والمخططات اليهودية.

فاللوبي الصهيوني وإمكانياته الإعلامية والاقتصادية هي أداة الغرب الرخيصة: دولة وظيفية عميلة للولايات المتحدة تؤدي كل ما يوكل إليها من مهام، تشبه العلاقة بين فرنسا والمستوطنين الفرنسيين في الجزائر أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر، وبين بريطانيا والمستوطنين الإنجليز في روديسيا.

فقوة الحركة الصهيونية تنبع من أنها تخدم المصالح الأميركية، وهكذا يجب أن يفهم سر سطوة الإعلام الصهيوني، وسر نفوذ اللوبي الصهيوني. فالحركة الصهيونية ليست جزءا من التاريخ اليهودي، ولا هي جزء من التوراة والتلمود برغم استخدام الديباجات التوراتية والتلمودية. وإنما هي جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية، فهي الحل الاستعماري للمسألة اليهودية.

ولذلك فإنها لم تظهر بين يهود اليمن أو المغرب، وإنما ظهرت بين يهود الغرب. ولم تظهر بينهم في العصور الوسطى على سبيل المثال، وإنما في أواخر القرن السابع عشر مع ظهور التشكيل الاستعماري الغربي وبدايات استيطان الإنسان الغربي في العالم الجديد وفي آسيا وأفريقيا. وقد ظهرت في بداية الأمر بين مفكرين استعماريين غير يهود، ثم تبناها بعض المثقفين اليهود من شرق أوروبا ووسطها.

لقد كانت فكرة الدولة اليهودية في فلسطين استعمارية أطلقها قادة استعماريون يكرهون اليهود، وقبل وجود تأثير يهودي في الغرب، مثل نابليون وبسمارك وبالمرستون وبلفور.

 [email protected]