إسرائيل وإيران تتبادلان الضربات في سورية: رؤية من إسرائيل

raid
raid

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

شموئيل مير – (مجلس الأطلسي) 25/1/2019

اضافة اعلان

أدى الهجوم الإسرائيلي الذي شُن يوم 20 كانون الثاني (يناير) على موقع لتسليم شحنة أسلحة إيرانية قرب مطار دمشق في سورية إلى تعاقب سريع واستثنائي للأحداث، والتي كان يمكن أن تجلب كلا الطرفين بسهولة إلى حافة الحرب.
استجابت إيران بإطلاق صاروخ على مرتفعات الجولان. ثم ردت إسرائيل على ذلك بشن هجوم ضد أهداف عسكرية إيرانية في محيط دمشق. وبدا أن تصريحات المتحدث الرسمي باسم جيش الدفاع الإسرائيلي والإحاطات الرسمية التي أعطيت للصحفيين تقدم صورة مفصلة عما حدث على الجبهة الشمالية. مع ذلك، وعلى الرغم من وفرة المواد التي نُشرت والانتفاح غير المعتاد من جانب إسرائيل، ما تزال هناك فجوات في المعلومات وعدد من الاسئلة التي بلا إجابات. وتتطلب هذه الأحداث فحصاً إضافياً والمزيد من التفسير. وثمة حاجة، أولاً وقبل كل شيء، إلى تمييز الضوضاء في الخلفية عن الإشارات الدقيقة للأحداث.
ما الذي أطلقه الإيرانيون ولماذا أطلقوه مرة واحدة فحسب؟ وفقاً للتصريح الرسمي للناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، أطلق الإيرانيون صاروخ أرض-أرض؛ أي سلاح مدفعية غير موجه، والذي لا يكون، بالتعريف، دقيق الإصابة بشكل عام. وأبلغ المراسلون العسكريون الإسرائيليون عن صاروخ أرض-أرض قصير المدى، بينما ذكرت بعض التقارير صاروخاً متوسط المدى. ويشير إطلاق صاروخ إلى وجود قدرة في المقذوف على دقة الإصابة، وبذلك تداعيات أكثر تهديداً. ولم يقدم الناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي تفاصيل إضافية عن نوع الصاروخ أو القذيفة التي تم إطلاقها. كما لم يقدم المسؤولون الإسرائيليون أيضاً أي تفاصيل عن الهدف؛ أي ما إذا كان هدفاً مدنياً –طار الصاروخ فوق منتجع جبل حرمون للتزلج، والذي كان في ذلك الوقت مليئاً بالمئات من المدنيين- أم هدفاً عسكرياً.
أطلق الإيرانيون صاروخاً واحداً تم اعتراضه بواسطة نظام "القبة الحديدية" الدفاعي الإسرائيلي، والذي يستخدم نمطياً ضد الصواريخ قصيرة المدى. وبذلك يمكننا افتراض أن الإطلاق لم يكن بهدف الانتقام لهجوم شُن على الأصول الإيرانية في مطار دمشق، وإنما كان يُقصد منه أن يكون إشارة لإسرائيل.
يبدو أن الهدف من إطلاق الصاروخ الوحيد كان إرسال رسالة أكثر منه ضربة عسكرية. وسيكون هذا واضحاً بشكل خاص عندما يُقارن بحادثة وقعت في أيار (مايو) 2018، عندما ردت وحدات الحرس الثوري الإيراني على الهجمات الإسرائيلية بإطلاق نحو ثلاثين صاروخاً في اتجاه مرتفعات الجولان –التي يعتبرها المجتمع الدولي أراضي سورية- وليس نحو داخل أراضي دولة إسرائيل نفسها.
أي رسالة هي التي أرادت إيران إيصالها إلى إسرائيل، وأي حافز كان وراء إطلاق صاروخ واحد والمغامرة بالتسبب في تصعيد؟ من باب المفارقات أن إيران، التي كانت قد غضت النظر عن الكثير من العمليات الإسرائيلية على مدى العام الماضي، قد دُفعت إلى زاوية هذه المرة ولم يكن لديها خيار سوى الرد.
يرجع هذا، في جزء منه، إلى التغير الأخير في الاستراتيجية الإسرائيلية: من موقف الالتزام بعدم التعليق أو الاعتراف بعملياتها العسكرية ضد إيران في سورية، إلى واحد تصاحبه التصريحات العلنية وتحمل المسؤولية عن العمليات. وقال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي المتقاعد حديثاً، الفريق غادي إيزنكوت، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" يوم 11 كانون الثاني (يناير)، أن جيش الدفاع الإسرائيلي شن "آلاف الغارات الجوية" ضد الأهداف الإيرانية في سورية خلال العام الماضي. وفي بداية كانون الثاني (يناير)، تحدث رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أيضاً عن هجمات شُنت على "مئات الأهداف الإيرانية" في سورية. وبذلك، تكون إسرائيل قد اختطفت خيار إيران بتجاهل إو إنكار أي هجوم شُنّ على أصولها العسكرية في سورية، كما كانت تفعل في الماضي.
كانت هناك أصوات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، والتي عبرت عن معارضتها لهذه الاستراتيجية العلنية الجديدة. وقد أعرب عن هذه التحفظات بعض الوزراء الأعضاء في المجلس الوزاري الأمني. وبالحكم من تعليقاتهم، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان القرار بإعلان المسؤولية عن الهجمات في سورية قد اتُخذ بطريقة منظمة في المجلس، أو ما إذا كان نتيجة تعليمات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أدواره الجديدة كوزير للدفاع، والذي تم القبول به من دون مناقشة.
من المثير للدهشة أن رد فعل الجيش الإسرائيلي على الصاروخ الإيراني في الأسبوع الماضي كان معتدلاً نسبياً وليس واسع النطاق. ويبدو أن إسرائيل، مثل إيران، ترسل بدورها رسالة: أنه ليس لديها مصلحة في تصعيد المواجهات العسكرية التي أصبحت روتينية تقريباً في سورية. وضمن هذا الإطار، هاجمت إسرائيل عدداً محدوداً من الأهداف الإيرانية في محيط دمشق، بما في ذلك مواقع استخباراتية، ومواقع لتخزين الذخائر، ومعسكرات تدريب لقوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني. وكان هذا رد فعل محسوب لم يقترب من مستوى العمليات الانتقامية واسعة النطاق التي شُنت في أيار (مايو) 2018، عندما هوجم 70 هدفاً إيرانياً في كل أنحاء سورية، ودُمرت فيها كل البنية التحتية والحاميات التي أقامتها إيران في البلد تقريباً.
أي رسالة هي التي أرادت إسرائيل أن توصلها، خاصة بعد أن كانت قد نجحت على مدار العام السابق في كبح التواجد العسكري الإيراني في سورية بقدر يُعتد به؟ ليس هناك تواجد لقوات الحرس الثوري الإيرانية بالقرب من الحدود مع إسرائيل في المنطقة بين مرتفعات الجولان ودمشق، ولا هناك قواعد جوية، ولا بحرية أو للغواصات. بالإضافة إلى الاستراتيجية الشاملة –إخراج الإيرانيين من سورية- كان للرسالة الإسرائيلية هدف محدد: وقف نقل شحنات الأسلحة إلى مرافق التخزين في مطار دمشق وإزالة الوجود الإيراني من المنطقة.
وهناك أيضاً عنصر آخر في المعادلة: إسرائيل وروسيا. فحتى قبل بضعة أشهر فقط، تمتعت إسرائيل بحرية كاملة للعمل في المجال الجوي السوري. ولكن، بعد إسقاط طائرة "إيلنت" روسية في أيلول (سبتمبر) 2018 على يد الدفاع الجوي السوري –ولو أن روسيا تضع اللوم على إسرائيل- حدت موسكو من حرية إسرائيل في العمل ولم تسمح لإسرائيل بالعمل في منطقة الساحل السوري، حيث توجد القواعد الروسية. كما لم تفوض روسيا السوريين أيضاً باستخدام أنظمتها المتطورة للدفاع الجوي من طراز س-300، التي قامت موسكو بإرسالها إلى دمشق بعد حادثة أيلول (سبتمبر) المذكورة.
من المحتمل أن يكون الأفراد العسكريون الروس مشاركون أيضاً في عملياتهم –الرد على الهجمات الإسرائيلية التي تواصلت في منطقة دمشق- ولكن، كلما اقتربت الحرب الأهلية من مراحلها النهائية ونجحت موسكو في تثبيت نظام الرئيس بشار الأسد، كلما زادت المؤشرات إلى عدم الرضى الروسي عن الهجمات الإسرائيلية المتواصلة.
منذ ذلك الحين، زادت روسيا من ضغوطها الدبلوماسية على إسرائيل. وفي بيان شديد اللهجة صدر في أعقاب أحداث التصعيد التي شهدها الأسبوع الماضي، حذرت موسكو إسرائيل وطالبتها بوقف هجماتها الجوية في "أراضي دولة ذات سيادة". وأكدت روسيا على أنها لن تسمح بتحويل سورية إلى "منطقة لتسوية الحسابات الجيوسياسية". وتجد إسرائيل الآن نفسها في مواجهة معضلة: كيف تستمر في منع شحنات الأسلحة من الوصول إلى مطار دمشق؟
ركزت كل من إيران وإسرائيل في الأسبوع الماضي على تبادل للرسائل الاستراتيجية غير اللفظية. ويبدو كلا الطرفين حريصين على عدم زيادة التوترات أكثر، وقد اختارا ردوداً معتدلة نسبياً. وتبنى هذان اللاعبان نظاماً عقلانياً للرد والرد المقابل، والذي حال دون حدوث تدهور خطير. ومع ذلك، من الجدير تذكر مخاطر سوء الحسابات في ميدان الاستراتيجية العسكرية –حيث يمكن أن يفضي خطأ في تأويل نوايا الطرف الآخر إلى الانزلاق نحو تداعيات غير مقصودة ولا مرغوبة. ولا شك في أن تحليل النوايا شأن بالغ التعقيد، ولذلك من الضروري العمل بأقصى درجات الحذر حتى لا ننزلق تلقائياً إلى سيناريو أكثر الحالات سوءاً.
يستطيع المرء أن يأمل في أن تتدخل روسيا كوسيط للعمل نحو التوصل إلى حل سياسي في سورية، والذي يمكن أن يؤثر في جزء منه على إيران بحيث تقوم بسحب قواتها، ويعيد البلد إلى وضع ما قبل الحرب الأهلية.

*مدون استراتيجي في صحيفة "هآرتس"، والذي يركز بشكل أساسي على القضايا النووية، وإيران، ومنطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وهو محلل سابق للجيش الإسرائيلي وباحث في جامعة تل أبيب.
*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Israel and Iran Exchange Blows in Syria: A View From Israel