إسرائيل والملف النووي الإيراني

التقارير التي تتحدث عن نية إسرائيلية للهجوم على إيران تبدو ملفتة للنظر ذلك لأنها في الحقيقة تأتي في سياق حملة من التطورات  المتلاحقة، فحديث ايهود اولمرت امام المؤتمر السنوي للايباك أن إسرائيل لم تسمح لإيران أن تمتلك سلاحا نوويا، ثم التصريحات التي تلاحقت بعد جلسة لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإسرائيلي، والتي كان واضحا أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني عكست القلق الحكومي الإسرائيلي والذي انعكس في رد رئيس اللجنة وحديثه عن ضرورة إيقاف إيران بشتى الوسائل. ثم تبع ذلك تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موفاز، والذي تحدث بنبرة عدائية فسرت أنها متأثرة بحالة التنافس داخل  حزب كديما الذي يواجه رئيسه ايهود اولمرت تهما بالفساد.

اضافة اعلان

 الحديث الأميركي عن تدريبات طيران إسرائيلية تجري استعدادا لضربة إيرانية بالغ الأهمية استراتيجيا بالنسبة لواشنطن وتل أبيب، فبالإضافة إلى انه يبقى الملف في أشد حالات التوتر، إلا أنه في ذات الوقت يساعد البلدين في الوصول الى معلومات يمكن لأقمارهم الصناعية ولا سيما أفق 7 الإسرائيلي، أن تزودهم بها.

فمشكلة في توفر المعلومات حول المواقع النووية الإيرانية، كانت احد الأسباب التي دفعت الأميركيين لشراء مزيد من الوقت أملا في أن تتوفر معلومات أكثر دقة ومصداقية من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو من خلال اطراف دولية. إن من احدى وسائل الحصول على معلومات أو التحقق من معلومات متوفرة هو نشر تقارير مثل تلك التي نشرت في الأيام القليلة الماضية، فما سيحدث هو أن ستتكثف مراقبة الأقمار الصناعية لأي نشاطات قد تقوم بها إيران خلال هذه الفترة وهو الأمر الذي سيفسر إسرائيليا وأميركيا على انه مرتبط بالحديث عن احتمالية قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد إيران.

التوقيت للتسريبات الأميركية ربما يدفع للربط بين ما تقوم به إسرائيل من التوصل إلى هدنة مع حماس وكذلك إجراء محادثات سرية مع سورية، للتوصل إلى اتفاقية سلام، وحكاية الربط تستند إلى أن إسرائيل تريد تهدئة الأمور على هذه الجبهات للتركيز على التعامل مع إيران ومن ثم العودة للتعامل مع هذه الملفات.

مسألة أخرى يمكن أن نقرأها في تصاعد التهديد الإسرائيلي لإيران ولا سيما الآن، وهي مرتبطة برغبة إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة، في فرض مزيد من الضغوط على إيران التي تدرس حزمة الحوافز الأوروبية بحيث يلوح بورقة التهديد العسكري أملا في أن تقدم إيران بعض التنازلات. لكن الأهم من ذلك ربما هو الدفع بقوة نحو قرار عقوبات اقتصادية أشد وهو ما تريده واشنطن، عقوبات تزيد من تعقيدات الوضع الاقتصادي للحكومة في إيران.

هذه التطورات بغض النظر مما يرافقها من تشكيك من بعض الدول وأن إيران أمامها طريق طويلة، إلا أنه بالنسبة إلى إسرائيل على الأقل لا يبدو مقبولا، وكما يقول احد خبراء الأمن الإسرائيليين بان توفر1% من القناعة لدى صانع القرار الإسرائيلي بأن إيران تتحرك في اتجاه قدرات نووي عسكرية، فان ذلك يكفي لتبرير القيام بعمل عسكري ضد طهران.

ليس دقيقا القول إن إسرائيل منزعجة فقط من تطورات البرنامج النووي الإيراني فقط، فالجهد الإيراني لتطوير القدرات الصاروخية خلال الأعوام الماضية والوصول إلى حد تطوير الصواريخ طويلة الأمد مثل شهاب 1و2، وكذلك عاشوراء، كل ذلك يشكل مصدر قلق يتساوى إسرائيليا مع القدرات النووية. من هنا فإن إسرائيل قد تستهدف قواعد ومنصات لصواريخ إيرانية، وكذلك قواعد للحرس الثوري، قبل أن تستهدف منشآت نووية لأنه –وكما يعتقد- فان إمكانية الرد الإيرانية إذا ما استهدفت مواقعها النووية ستكون محدودة، ولا يبقى إلا أذرعة إيران والمقصود حزب الله بالأساس وكذلك حماس. 

في هذا السياق فإنه من المهم الإشارة إلى الهدنة التي تم التوصل إليها بين إسرائيل وحماس لمدة 6 شهور. والسؤال بهذا الشأن هو هل يتصور أن حماس ستتخلى عن الهدنة وتشن مزيدا من الهجمات على إسرائيل – كما يتصور البعض في إسرائيل وكذلك الدوائر الغربية- فيما إذا تعرضت إيران لضربة من إسرائيل؟ وينطبق السؤال على حالة حزب الله والذي من المفروض انه وقع على اتفاق الدوحة في أيار 2008 ليكون أكثر انسجاما مع المصالح اللبنانية.

إذا كان الجواب بنعم أن حزب الله وحماس سيهرعون للرد فهو أمر ينبغي أن يبرهن على قدرة إيران على التأثير على هاتين الحركتين، ولكن ماذا إذا لم يفعلوا شيئا وتفرجوا مع المتفرجين فكيف سيقرأ موقف الحركتين؟ سؤال ربما يجب الانتظار قليلا قبل الإجابة عليه.

من المهم التذكير بالتفاوت في المبررات التي قد تستخدم لتوجيه ضربة عسكرية لإيران. إسرائيليا يعد تطوير القدرات النووي مبررا قويا، لكن أميركيا الأمر يختلف، فما يجري في العراق والخطر الذي يتهدد القوات الأميركية قد يتسبب في حصول مواجهة عسكرية، وبعبارة أخرى فإن أي عملية نوعية تقوم فيها إحدى الجماعات التي تصنفها واشنطن بأنها مدعومة من إيران وينتج عنها عدد كبير من الضحايا في الجانب الأميركي، ربما يدفع بشكل قوي واشنطن للرد العسكري، وهو الأمر الذي يبقي حالة الترقب الحذر والتوتر الحالة المسيطرة على تطورات الملف النووي الإيراني.

[email protected]