إصلاحات اقتصادية للنقل

من المعلوم أن قطاع النقل في الأردن رديء، وبحاجة لتحسينات جوهرية تؤدي، في نهاية المطاف، إلى إيصال المواطنين لقناعة أن امتلاك السيارة ليس ضرورة، مع خروج مشاريع الكبرى لحيز الوجود، بتوفر القطارات والباصات السريعة وغيرها. إلا أننا بحاجة لأجيال حتى يصبح الحلم حقيقة.اضافة اعلان
وما دامت تلك الأمور بعيدة المنال على أرض الواقع، فلا بد من التنبه إلى وجود حالة من الفوضى العارمة تسود قطاع السيارات. فخلال الأربع سنوات الماضية، دخل السوق نحو ربع مليون سيارة، معظمها مستخدمة وشبه مستنزفة، فيما الجديد قليل نسبيا إذا ما تمت مقارنته بالعديد من الدول المشابهة لاقتصاد المملكة. ففي ظل التشريعات السارية، يُسمح بإدخال السيارات ذات عمر 5 سنوات فما دون. وهو ما يستوجب المراجعة، وتقليل الحد الأعلى للعمر إلى ثلاث سنوات.
حاليا، يوجد قرابة 1.3 مليون سيارة في السوق المحلية. وسيزيد العدد خلال العام الجديد جراء النمو الطبيعي، ليصل إلى ما يزيد على 1.4 مليون سيارة، في ظل شبكة مواصلات محدودة تتزايد الضغوط عليها، وأزمات سير لا تطاق.
كل تلك المعطيات تزداد سوءا في الوقت الراهن مع تراجع أسعار المشتقات النفطية، ما يجعل كثيرين يتحركون بهدف ومن دون هدف، على النقيض من السلوك في التحرك بالسيارات إبان الفترة التي كانت فيها أسعار المحروقات مرتفعة؛ إذ لاحظ الجميع تقريباً أن حركة السيارات عقلانية، وبالتالي كانت الاختناقات المرورية منطقية. وهذا أمر منطقي ينسجم مع النظرية الاقتصادية؛ بأن ارتفاع الكلف يخفض الطلب. وربما تستوجب الأوضاع الراهنة من صانع القرار التفكير مليا في اتخاذ إجراءات أو إصدار تشريعات تسهم بمنفعة الاقتصاد الوطني؛ فهدر الوقت والمال أمر سيئ، ونحن بحاجة لإصلاحات اقتصادية.
المشهد المزعج الذي بات يتكرر تزامنا مع تراجع أسعار النفط، يتمثل في تشجع الكثيرين على التحرك بسيارات ذات محركات ضخمة، تشبه إلى حد ما "الدبابات"؛ تجوب الشوارع المحدودة، وتصل الليل بالنهار. وهذا كلام يزعج البعض، لكنه مشهد بات شائعا. بل ونجد بعض سواقي تلك "الدبابات" برعونتهم يشكلون خطرا على السلامة على الطرقات. ومن هنا نجد أن القرار الحكومي الذي تم التراجع عنه برفع نسبة الترخيص على السيارات ذات المحركات الضخمة، والذي شابه نقص بالأسباب الموجبة والتبيان، هو قرار صائب، لكن الضجيج الذي أثير حوله والضغط الشعبي رغم صوابيته كان لهما الغلبة.
أولى الخطوات ينبغي أن توجه باتخاذ إجراءات إصلاحية من ناحية السيارات المخلص عليها، لتنسجم مع واقع الطرق في المملكة، والبنى التحتية المحدودة، لاسيما في العاصمة. وليس خطأ زيادة الرسوم والضرائب على السيارات الضخمة. وأيضا جعل التخليص على السيارات المستعملة لثلاث سنوات بدلا من 5 سنوات، مع وجوب التأكد من صلاحياتها حتى لا يعاني من يمتلكون تلك السيارات من كلف إضافية. فكثير من الدول باتت تتشدد في تلك المسألة، وتمنع دخول "خردوات السيارات" إلى أراضيها، لأن هذه المسألة من الناحية العملية تشكل خطرا على السلامة العامة، عدا عن إخراج عملات صعبة من دون تحقيق الاستخدام الأمثل للأموال.